[ فأصبح من النادمين ] أي صار نادما على عدم الاهتداء إلى دفن أخيه، لا عل قتله، قال ابن عباس : ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة له
[ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض ] أي من أجل حادثة " قابيل وهابيل " وبسبب قتله لأخيه ظلما، فرضنا وحكمنا على بني إسرائيل، أن من قتل منهم نفسا ظلما، بغير أن يقتل نفسا فيستحق القصاص، وبغير فساد يوجب إهدار الدم، كالردة وقطع الطريق
[ فكأنما قتل الناس جميعا ] أي فكأنه قتل جميع الناس، قال البيضاوي : من حيث إنه هتك حرمة الدماء وسن القتال، وجرأ الناس عليه، والمقصود منه تعظيم قتل النفس في القلوب، ترهيبا عن التعرض لها، وترغيبا في المحاماة عليها
[ ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ] أي ومن تسبب لبقاء حياتها واستنقذها من الهلكة فكأنه أحيا جميع الناس، قال ابن عباس : من قتل نفسا واحدة حرمها الله، فهو مثل من قتل الناس جميعا، ومن امتنع عن قتل نفس حرمها الله وصان حرمتها خوفا من الله، فهو كمن أحيا الناس جميعا
[ ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ] أي جاءتهم رسلنا بالمعجزات الساطعات، والآيات الواضحات
[ ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ] أي ثم إنهم بعد تلك الزواجر كلها يسرفون في القتل، ولا يبالون بعظمته، قال ابن كثير : هذا تقريع وتوبيخ على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها، وقال الرازي : إن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة، أقدموا على قتل الأنبياء والرسل، وذلك يدل على غاية قساوة قلوبهم، ونهاية بعدهم عن طاعة الله تعالى، ولما كان الغرض من ذكر هذه القصص تسلية الرسول (ص) لأنهم عزموا على الفتك به وبأصحابه، كان تخصيص بني إسرائيل بهذه المبالغة العظيمة مناسبا للكلام، ومؤكدا للمقصود.. ثم ذكر تعالى عقوبة قطاع الطريق فقال
[ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ] أي يحاربون شريعة الله، ودينه وأولياءه ويحاربون رسوله
[ ويسعون في الأرض فسادا ] أي يفسدون في الأرض بالمعاصي وسفك الدماء
[ أن يقتلوا ] أي يقتلوا جزاء بغيهم
[ أو يصلبوا ] أي يقتلوا ويصلبوا زجرا لغيرهم، والصيغة للتكثير
[ أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ] معناه أن تقطع يده اليمنى، ورجله اليسرى
[ أو ينفوا من الأرض ] أي يطردوا ويبعدوا من بلد إلى بلد آخر ((قال الشافعي : النفي يكون من بلد إلى بلد، لا يزال يطلب وهو هارب فزعا، وقال أبو حنيفة : النفي : السجن، واختار ابن جرير أن المراد بالنفي ههنا أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه))
[ ذلك لهم خزي في الدنيا ] أي ذلك الجزاء المذكور، ذل لهم وفضيحة في الدنيا
[ ولهم في الآخرة عذاب عظيم ] هو عذاب النار، ودلت الآية على أن الإمام بالخيار إن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع الأيدى والأرجل، وإن شاء نفي وهو مذهب مالك. وقال ابن عباس : لكل رتبة من الحرابة رتبة من العقاب، فمن قتل قتل، ومن قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، ومن أخاف فقط نفي من الأرض، وهذا قول الجمهور،
[ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ] أى لكن الذين تابوا من المحاربين وقطاع الطريق، قبل القدرة على أخذهم وعقوبتهم
[ فأعلموا ان الله غفور رحيم ] أى هو سبحانه واسع المغفرة والرحمة، لمن تاب وأناب، يقبل توبته ويغفر زلته.. ثم أمر تعالى المؤمنين بالتقوى والعمل الصالح فقال سبحانه
[ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ] أى خافوا عقابه، واطلبوا ما يقربكم إليه، من طاعته وعبادته، قال قتادة : تقربوا اليه بطاعته والعمل ثما يرضيه
[ وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ] أى جاهدوا لإعلاء دينه، لتفوزوا بنعيم الأبد


الصفحة التالية
Icon