[ إن الذين كفروا لو ان لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ] أى لو كان لكل كافر جميع ما في الأرض، من خيرات وأموال ومثله معه
[ ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ] أى وأراد ان يفتدي بها نفسه من عذاب الله، ما نفعه ذلك، وله عذاب مؤلم موجع
[ يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ] أى دائم لا ينقطع، وفي الحديث الشريف (يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم فيقال له : قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك ؟ ألا تشرك بي فأبيت، فيؤمر به إلى النار).. ثم ذكر تعالى عقوبة السارق فقال
[ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ] أى كل من سرق، رجلا كان أو امرأة فاقطعوا يده
[ جزاء بما كسبا ] أى مجازاة لهما على فعلهما القبيح
[ نكالا من الله ] أى عقوبة من الله
[ والله عزيز حكيم ] أى حكيم قي شرعه، فلا يأمر بقطع اليد ظلما
[ فمن تاب من بعد ظلمه ] أى رجع عن السرقة
[ وأصلح ] أى أصلح سيرته وعمله
[ فإن الله يتوب عليه ] أى يقبل توبته فلا يعذبه في الاخرة
[ إن الله غفور رحيم ] أى مبالغ في المغفرة والرحمة.. ثم نبه تعالى على واسع ملكه، وأنه لا معقب لحكمه فقال سبحانه
[ ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ] أى ألم تعلم أيها المخاطب ان الله تعالى له السلطان القاهر، والملك الباهر، وبيده ملكوت السموات والأرض ؟ والاستفهام للتقرير
[ يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير ] أى يعذب من يشاء تعذيبه، ويغفر لمن يشاء غفران ذنبه، وهو القادر على كل شيء ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! !
البلاغة :
١ - الطباق بين كلمة [ قتل.. وأحيا ] وهو من المحسنات البديعية وكذلك بين [ يعذب.. ويغفر ].
٢ - [ يحاربون الله ] هو على حذف مضاف أى يحاربون أولياء الله لأن الله لا يحارب ولا يغالب.
٣ - الاستعارة [ ومن أحياها ] لأن المراد استبقاها ولم يتعرض لقتلها، وإحياء النفس بعد موتها لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
٤ - [ لو ان لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به ] قال الزمخشري : هذا تمثيل للزوم العذاب لهم، وانه لا سبيل لهم الى النجاة منه بوجه من الوجوه.
٥ - طباق السلب [ لئن بسطت.. ما أنا بباسط يدى ].
الفوائد :
الأولى : النفي من الأرض كما يكون بالطرد والإبعاد يكون بالحبس، ولهذا قال مالك رحمه الله : النفى : السجن ينفى من سعة الدنيا إلى ضيقها، قال الشاعر وهو في السجن يرثى لحاله : خرجنا عن الدنيا وعن وصل أهلها فلسنا من الاحيا ولسنا من الموتى إذا جاءنا السجان يوما لحاجتن عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدنيا.
الثانية : السر في تقديم السارق على السارقة هنا، وتقديم الزانية على الزاني في قوله [ الزانية والزاني فاجلدوا ] ان الرجل على السرقة أجرأ، والزنى من المرأة أشنع وأقبح، فناسب تقديم ذكر كل منهما في المقام.
الثالثة : قال الاصمعي : قرأت يوما هذه الآية [ والسارق والسارقة ] والى جنبي أعرابي فقلت [ والله غفور رحيم ] سهوا فقال الأعرابي : كلام من هذا ؟ قلت : كلام الله قال : ليس هذا بكلام الله، أعد فأعدت وتنبهت فقلت [ والله عزيز حكيم ] فقال : نعم هذا كلام الله، فقلت : أتقرأ القرآن ؟ قال : لا، قلت : فمن أين علمت اني أخطات ؟ فقال يا هذا : عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع.
الرابعة : أعترض بعض الملحدين على الشريعة الغراء، في قطع يد السارق بالقليل من المال، ونظم ذلك شعرا فقال :
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار ؟
تحكم ما لنا الا السكوت له وان نعوذ بمولانا من النار
فأجابه بعض الفضلاء بقوله :