[ وقالت اليهود يد الله مغلولة ] أى قال اليهود اللعناء : ان الله بخيل يقتر الرزق على العباد، قال ابن عباس : مغلولة أى بخيلة امسك ما عنده بخلا، ليس يعنون ان يد الله موثقة، ولكنهم يقولون إنه بخيل
[ غلت أيدهم ] دعاء عليهم بالبخل المذموم والفقر والنكد
[ ولعنوا بما قالوا ] أى أبعدهم الله من رحمته، بسبب تلك المقالة الشنيعة
[ بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ] أى بل هو جواد كريم، سابغ الإنعام، يرزق ويعطي كما يشاء، قال ابو السعود : وتضييق الرزق ليس لقصور في فيضه، بل لأن إنفاقه تابع لمشيئته المبنية على الحكم، وقد اقتضت الحكمة بسبب ما فيهم من شؤم المعاصي ان يضيق عليهم
[ وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا ] أى وليزيدنهم هذا القرآن الذي أنزل عليك يا محمد كفرا فوق كفرهم، وطغيانا فوق طغيانهم، إذ كلما نزلت آية كفروا بها، فيزداد طغيانهم
وكفرهم، كما ان الطعام للأصحاء يزيد المرضى مرضا، قال الطبري : أعلم تعالى نبيه انهم اهل عتو وتمرد على ربهم، وانهم لا يذعنون لحق، وان علموا صحته، ولكنهم يعاندونه، يسلي بذلك نبيه (ص) في ذهابهم عن الله وتكذيبهم إياه
[ وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة ] أى ألقينا بين اليهود العداوة والبغضاء فكلمتهم مختلفة، وقلوبهم شتى، لا يزالون متباغضين متعادين الى قيام الساعة
[ كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها الله ] أى كلما أرادوا اشعال حرب على رسول الله (ص) أطفاها الله
[ ويسعون في الأرض فسادا ] أى يجتهدون في الكيد للاسلام وأهله، ويسعون لإثارة الفتن بين المسلمين، قال ابن كثير : أى من سجيتهم انهم دائما يسعون في الافساد في الأرض
[ والله لا يحب المفسدين ] أى لا يحب من كانت هذه صفته
[ ولو ان أهل الكتاب آمنوا واتقوا ] أى لو ان اليهود والنصارى آمنوا بالله وبرسوله حق الايمان، وأبقوا محارم الله فاجتنبوها
[ لكفرنا عنهم سيئاتهم ] أى محونا عنهم ذنوبهم التي اقترفوها
[ ولأدخلناهم جنات النعيم ] أى ولأدخلناهم مع ذلك في جنات النعيم
[ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل اليهم من ربهم ] أى ولو ائهم استقاموا على أمر الله، وعملوا بما فى التوراة والانجيل، وبما أنزل اليهم في هذا الكتاب الجليل، الذي نزل على خاتم الرسل (ص)
[ لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم ] أى لوسع الله عليهم الأرزاق، وأغدق عليهم الخيرات، بإفاضة بركات السماء والأرض عليهم
[ منهم أمة مقتصدة ] أى منهم جماعة معتدلة مستقيمة، غير غالية ولا مقصرة، وهم الذين آمنوا بمحمد (ص) كعبد الله بن سلام، والنجاشي، وسلمان
[ وكثير منهم ساء ما يعملون ] أى وكثير منهم أشرار بنى ما يعملون من قبيح الاقوال، وسوء الفعال !
البلاغة :
١ - [ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ] بين لفظ " أعزة " و " أذلة " طباق، وهو من المحسنات البديعية، وكذلك بين لفظ [ من فوقهم.. ومن تحت أرجلهم ] طباق ايضا.
٢ - [ لومة لائم ] في تنكير (لومة) و(لائم ) مبالغة لا تخفى، لان اللومة المرة الواحدة من اللوم، فنكرت لافادة التقليل.
٣ - [ ان كنتم مؤمنين ] هذا على سبيل التهييج.
٤ - [ هل تنقمون منا إلا ان آمنا ] يسمى مثل هذا عند علماء البيان (تأكيد المدح بما يعبه الذم )، فقد جعلوا التمسك بالايمان سببا للإنكار والنقمة.
٥ - [ مثوبة عند الله من لعنه الله ] هذا من باب (التهكم ) حيث استعملت المثوبة فى مكان العقوبة.
٦ - [ شر مكانا ] نسب الشر للمكان وهو في الحقيقة لأهله، وذلك مبالغة في الذم.
٧ - [ يد الله مغلولة ] غل اليد كناية عن البخل، وبسطها كناية عن الجود.


الصفحة التالية
Icon