[ لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم ] قال ابو السعود : هذا شروع في تفصيل قبائح النصارى وإبطال اقوالهم الفاسدة، بعد تفصيل قبائح اليهود، وهؤلاء الذين قالوا إن مريم ولدت (إلاها) هم " اليعقوبية " زعموا أن الله تعالى حل في ذات (عيسى) واتحد به، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
[ وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ] أى انا عبد مثلكم، فأعبدوا خالقي وخالقكم، الذي يذل له كل شيء، ويخضع له كل موجود، قال ابن كثير : كان أول كلمة نطق بها وهو صغير أن قال [ إني عبد الله ] ولم يقل : إني أنا الله، ولا إبن الله، بل قال [ إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ] وقال القرطبي : رد الله عليهم ذلك بحجة قاطعة، مما يقرون به فقال [ وقال المسيح يا بني اسرائيل أعبدوا الله ربي وربكم ] فإذا كان المسيح يقول : يا رب، ويا الله، فكيف يدعو نفسه ؟ أم كيف يسألها ؟ هذا محال
[ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ] أى من يعتقد بألوهية غير الله، فلن يدخل الجنة أبدا، لأنها دار الموحدين
[ ومأواه النار ] أى مصيره نار جهنم
[ وما للظالمين من أنصار ] أى فلا ناصر ولا منقذ له من عذاب الله
[ لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة ] أى أحد ثلاثة آلهة، وهذا قول فرقة من النصارى يسمون (النسطورية والملكانية) القابلين بالتثليث وهم يقولون : إن الإلهية مشتركة بين (الله، وعيسى، ومريم ) وكل واحد من هؤلاء اله، ولهذا اشتهر قولهم (الأب والإبن وروح القدس ) ((قال السدي : نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله فجعلوا الله (ثالث ثلاثة) بهذا الاعتبار، وقال في البحر : يقولون جوهر واحد وثلاث أقانيم " أب، وابن، وروح قدس " وهذه الثلاثة إله واحد، كما إن الشمس تتناول القرص والشعاع والحرارة، وزعموا أن الأب إله، والإبن إله، والروح إله، والكل إله واحد، وهذا معلوم البطلان ببداهة العقل أن الثلاثة لا تكون واحدا، وأن الواحد لا يكون ثلاثة ))
[ وما من اله إلا اله واحد ] أى والحال إنه ليس في الوجود إلا إله واحد، موصوف بالوحدانية متعال عن المثيل والنظير
[ وإن لم ينتهوا عما يقولون ] أى وإن لم يكفوا عن القول بالتثليث
[ ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم ] أي ليصيبنهم عذاب اليم موجع في الدنيا والاخرة
[ افلا يتوبون الى الله ويستغفرونه ] الإستفهام للتوبيخ أي أفلا ينتهون عن تلك العقائد الزائفة، والأقاويل الباطلة ويستغفرون الله مما نسبوه اليه من الإتحاد والحلول ؟
[ والله غفور رحيم ] أى يغفر لهم ويرحمهم إن تابوا، قال البيضاوي : وفي هذا الإستفهام [ أفلا يتوبون ] تعجيب من إصرارهم على الكفر!
[ ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل ] أى ما المسيح إلا رسول كالرسل الخالية الذين تقدموه، خصه الله تعالى ببعض الآيات الباهرات إظهارا لصدقه، كما خص بعض الرسل، فان أحيا الموتى على يده، فقد أحيا العصا في يد موسى، وجعلت حية تسعى، وهو أعجب، وإن خلق من غير أب، فقد خلق آدم من غير أب ولا ام وهو أغرب، وكل ذلك من جنابه عز وجل، وإنما (موسى وعيسى) مظاهر شئونه وأفعاله
[ وأمه صديقة ] أى مبالغة في الصدق
[ كانا يأكلان الطعام ] أى إنه مخلوق كسائر المخلوقين، مركب من (عظم ولحم وعروق وأعصاب )، وفيه إشارة لطيفة الى أن من يأكل الطعام لا بد أن يكون في حاجة الى إخراج فضلاته، ومن
يكن هذا حاله فكيف يعبد، أو كيف يتوهم إنه اله ؟
[ أنظر كيف نبين لهم الآيات ] تعجيب من حال الذين يدعون إلوهيته هو وأمه، أى أنظر كيف نوضح لهم الآيات الباهرة، على بطلان ما اعتقدوه


الصفحة التالية
Icon