[ ثم أنظر انى يؤفكون ] أى كيف يصرفون عن استماع الحق، وتأمله بعد هذا البيان ؟ مع أنه اوضح من الشمس في رابعة النهار
[ قل اتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ] أى قل يا محمد : أتوجهون عبادتكم الى من لا يقدر لكم على النفع والضر ؟ ((قال في البحر : لما بين تعالى بدليل النقل والعقل انتفاء الألوهية عن عيسى ودعاهم للتوبة وطلب الغفران، أنكر عليهم ووبخهم من وجه اخر وهو عجز عيسى على دفع ضرر وجلب نفع، وأن من كان لا يدفع عن نفسه حرى أن لا يدفع عنكم ))
[ والله هو السميع العليم ] أى السميع لاقوالكم العليم بأحوالكم.. وتضمنت الآية الإنكار عليهم، حيث عبدوا من هو متصف بالعجز عن دفع ضر، او جلب نفع
[ قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ] أى يا معشر اليهود والنصارى، لا تتجاوزوا الحد في دينكم، وتفرطوا كما افرط أسلافكم، فتقولوا عن عيسى : إنه اله، او إبن إله. قال القرطبي : وغلو اليهود قولهم في عيسى إنه ليس ولد رشدة - أى هو إبن زنا - وغلو النصارى قولهم إنه اله ؟
[ ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ] أى لا تتبعوا أسلافكم وأئمتكم الذين كانوا على الضلال قبل بعثة النبى ص
[ واضلوا كثيرا ] أى اضلوا كثيرا من الخلق، بإغوائهم لهم عن شرع الله
[ وضلوا عن سواء السبيل ] اي ضلوا عن الطريق الواضح المستقيم، قال القرطبي : وتكرير (ضلوا) للإشارة الى إنهم ضلوا من قبل وضلوا من بعد، والمراد الأسلاف الذين سنوا الضلالة، وعملوا بها من رؤساء اليهود والنصارى
[ لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ] أى لعنهم الله عز وجل في الزبور، والإنجيل، قال ابن عباس : لعنوا بكل لسان، لعنوا على عهد موسى في (التوراة)، وعلى عهد داود في (الزبور)، وعلى عهد عيسى في (الإنجيل )، وعلى عهد محمد في (القرآن ) قال المفسرون : إن اليهود لما اعتدوا في السبت، دعا عليهم داود فمسخهم الله قردة، واصحاب المائدة لما كفروا بعيسى دعا عليهم عيسى فمسخوا خنازير
[ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ] أى ذلك اللعن بسبب عصيانهم واعتدائهم.. ثم بين تعالى حالهم الشنيع في ترك استفحال الشر، فقال سبحانه
[ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ] أى لا ينهى بعضهم بعضا عن قبيح فعلوه
[ لبئس ما كانوا يفعلون ] أى بئس شيئا فعلوه، قال الزمخشري : تعجيب من سوء فعلهم مؤكد بالقسم، فيا حسرتا على المسلمين في إعراضهم عن التناهي عن المنكر، كأنه ليس من الإسلام في شىء، مع ما يتلون من كتاب الله من المبالغات في هذا الباب وقال في البحر : وذلك إنهم جمعوا بين فعل المنكر، والتجاهر به، وعدم النهي عنه، والمعصية اذا فعلت ينبغي ان يستتر بها، لحديث " من إبتلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر " فاذا فعلت جهارا وتواطأ الناس على عدم الإنكار، كان ذلك تحريضا على فعلها، وسببا مثيرا لإفشائها وكثرتها
[ ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا ] أى ترى كثيرا من اليهود، يوالون المشركين بغضا لرسول الله (ص) والمؤمنين، والمراد بهم (كعب بن الأشرف ) واصحابه
[ لبئس ما قدمت لهم انفسهم ] أى بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة
[ أن سخط الله عليهم ] وهذا هو المخصوص بالذم أى بئس ما قدموه لآخرتهم : سخط الله وغضبه عليهم
[ وفي العذاب هم خالدون ] أى وفي عذاب جهنم مخلدون أبدا الآبدين
[ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل اليه ما اتخذوهم أولياء ] أى لو كان هؤلاء اليهود يصدقون بالله ونبيهم، وما جاءهم من الكتاب، ما أتخذوا المشركين أولياء
[ ولكن كثيرا منهم فاسقون ] أى ولكن اكثرهم خارجون عن الإيمان، وطاعة الله عز وجل.
البلاغة :


الصفحة التالية
Icon