[ يضل به كثيرا ويهدى به كثير ] أي يضل بهذا المثل كثيرا من الكافرين لكفرهم به، ويهدي به كثيرا من المؤمنين لتصديقهم به، فيزيد أولئك ضلالة، وهؤلاء هدى
[ وما يضل به إلا الفاسقين ] أي ما يضل بهذا المثل أو بهذا القرآن إلا الخارجين عن طاعة الله، الجاحدين لآياته.. ثم عدد تعالى أوصاف هؤلاء الفاسقين فقال
[ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ] أي ينقضون ما عهده إليهم فى الكتب السماوية، من الإيمان بمحمد (ص) بعد توكيده عليهم، أو ينقضون كل عهد وميثاق من الإيمان بالله، والتصديق بالرسل، والعمل بالشرائع
[ ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ] من صلة الأرحام والقرابات، واللفظ عام فى كل قطيعة لا يرضاها الله، كقطع الصلة بين الأنبياء، بالإيمان بالبعض، والكفر بالبعض، وقطع الأرحام، وترك موالاة المؤمنين
[ ويفسدون في الأرض ] بالمعاصي، والفتن، والمنع عن الإيمان، وإثارة الشبهات حول القرآن
[ أولئك هم الخاسرون ] أي أولئك المذكورون، الموصوفون بتلك الأوصاف القبيحة، هم الخاسرون لأنهم استبدلوا الضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة، فصاروا الى النار المؤبدة
[ كيف تفكرون بالله ] استفهام للتوبيخ والإنكار، والمعنى : كيف تجحدون الخالق وتنكرون الصانع ؟
[ وكنتم أمواتا ] أي وقد كنتم فى العدم نطفا فى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات
[ فأحياكم ] أي أخرجكم إلى الدنيا
[ ثم يميتكم ] عند انقضاء الآجال
[ ثم يحييكم ] بالبعث من القبور
[ ثم إليه ترجعون ] للحساب والجزاء يوم النشور.. ثم ذكر تعالى برهانا على البعث فقال
[ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ] أي خلق لكم الأرض وما فيها لتنتفعوا بكل ما فيها، وتعتبروا بأن الله هو الخالق الرازق
[ ثم استوى إلى السماء ] أي ثم قصد إلى السماء ((قال ابن كثير : والاستواء ههنا متضمن معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بـ " إلى " )).
[ فسواهن سبع سموات ] أي صيرهن وقضاهن سبع سموات محكمة البناء، وذلك دليل القدرة الباهرة
[ وهو بكل شيء عليم ] أي وهو عالم بكل ما خلق وذرأ، أفلا تعتبرون بأن القادر على خلق ذلك – وهى أعظم منكم – قادر على إعادتكم ؟ بلى إنه على كل شيء قدير.
البلاغة :
١- قوله [ لا يستحيي ] من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، والمعنى : لا يترك فعبر بالحياء عن الترك، لأن الترك من ثمرات الحياء، ومن استحيا من فعل شيء تركه.
٢- قوله [ ينقضون عهد الله ] فيه (استعارة مكنية) حيث شبه العهد بالحبل، وحذف المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو النقض، على سبيل الاستعارة المكنية.
٣- قوله [ كيف تكفرون بالله ] في الآية حسن بيان، فهي من باب (الالتفات) للتوبيخ والتقريع، فقد كان الكلام بصيغة الغيبة، ثم التفت فخاطبهم بصيغة الحضور، وهو ضرب من ضروب البديع.
٤- قوله [ عليم ] من صيغ المبالغة، ومعناه الواسع العلم الذي أحاط علمه بجميع الأشياء، قال أبو حيان : وصف تعالى نفسه بـ (عالم وعليم وعلام) وهذان للمبالغة، وقد أدخلت العرب الهاء لتأكيد المبالغة في (علامة) ولا يجوز وصفه به تعالى، لأن أسماءه توقيفية، حسب النص الشرعي الوارد.
الفوائد :
الأولى : قال الزمخشري : التمثيل إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى الغامض، ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب، فليس العظم والحقارة فى المضروب به المثل إلا أمرا تستدعيه حال المتمثل له، ألا ترى إلى الحق لما كان أبلج اضحا جليا، كيف تمثل له بالضياء والنور ؟ وإلى الباطل لما كان بضد صفته كيف تمثل له بالظلمة ؟ ولما كان حال الآلهة التى جعلها الكفار أندادا لله تعالى ليس أحقر منها وأقل، لذلك ضرب لها المثل ببيت العنكبوت فى الضعف والوهن


الصفحة التالية
Icon