ب - وعن ابن عباس قال : كان (تميم الدارى " و " عدى بن بداء " يختلفان الى مكة وكانا نصرانيين قبلا الاسلام فخرج معهما فتى من " بني سهم " فتوفى بأرض ليس بها مسلم، فأوصى اليهما فدفعا تركته الى أهله، وحبسا جاما من فضة مخوصا بالذهب، فاستحلفهما رسول الله !نه ما كتمتما ولا اطلعتما! ! ثم وجد الجام بمكة، فقالوا : اشتريناه من عدى وتميم، فجاء رجلان من ورثة السهمي فحلفا ان هذا الجام للسهمى ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما إعتدينا فأخذوا الجام، وفيهم نزلت هذه الآية [ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم.. ] الآية.
التفسير :
[ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ] أى جعل الله الكعبة المشرفة وهي (البيت المحرم)، صلاحا ومعاشا للناس، يلوذ به الخائف، ويأمن فيه الضعيف، ويربح فيه التجار، ويتوجه اليه
الحجاج والعمار
[ والشهر الحرام ] أى الاشهر الحرم (ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب ) قياما لهم لأمنهم القتال فيها
[ والهدي والقلائد ] أى الهدي الذي يهدى للحرم من الأنعام، والبدن (ذوات القلائد) التي تقلد من شجر الحرم جعلها الله أيضا قياما للناس
[ ذلك لتعلموا ان الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وان الله بكل شيء عليم ] أى جعل هذه الحرمة للبيت الحرام، والشهر الحرام، والهدي والقلائد، لتعلموا ان الله يعلم أمور السموات والأرض، ويعلم مصالحكم، لذلك جعل الحرم أمنا يسكن فيه كل شيء، فانظروا لطفه بالعباد، مع كفرهم وضلالهم ا ؟
[ اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم ] أى اعلموا ايها الناس ان الله شديد العقاب لمن عصاه، وانه غفور رحيم لمن تاب واطاع وأناب، فلا تيئسنكم نقمته، ولا تطمعنكم رحمته
[ ما على الرسول إلا البلاغ ] أى ليس على الرسول إلا أداء الرسالة، وتبليغ الشريعة، وقد بلغ ما وجب عليه، فلا عذر لأحد في التفريط
[ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ] أى لا يخفى عليه شيء من أحوالكم وأعمالكم، وسيجازيكم عليها. قال ابو حيان : الجملة فيها تهديد إذ أخبر تعالى انه مطلع على حال العبد، ظاهرا وباطنا، فهو مجازيه على ذلك ثوابا او عقابا )
[ قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث ] أى قل يا أيها الرسول : لا يتساوى الخبيث والطيب، ولو أعجبك ايها السامع كثرة الخبيث، وهو مثل ضربه الله للتمييز بين الحلال والحرام، والمطيع والعاصي، والرديء والجيد، قال القرطبي : اللفظ عام في جميع الامور، يتصور في المكاسب، والأعمال، والناس، والمعارف من العلوم وغيرها، فالخبيث من هذا كله، لا يفلح ولا يتجب ولا تحسن له عاقبة، وان كثر، والطيب - وان قل - نافع حميد جميل العاقبة وقال ابو حيان : الظاهر ان الخبيث والطيب عامان فيندرج تحتهما المال وحرامه، وصالح العمل وفاسده، وجيد الناس ورديئهم، وصحيح العقائد وفاسده، ونظير هذه الآية قوله تعالى [ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا ]
[ فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ] أى فاتقوا الله بأمتثال أوامره واجتناب نواهيه يا ذوي العقول، لتفلحوا وتفوزوا برضوان الله، والنعيم المقيم
[ يا أيها الذين آمنوا لا تسالوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ] أى لا تسألوا الرسول عن أمور لا حاجة لكم بها، ان ظهرت لكم ساءتكم، قال الزمخشري : أى لا تكثروا مسألة رسول الله (ص) حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم، ان أفتاكم بها وكلفكم إياها، تغمكم وتشق عليكم، وتندموا على السؤال عنها )


الصفحة التالية
Icon