العادات، أى اذكر نعمتي عليك في خلقى إياك من أم بلا ذكر، وجعلي إياك آية قاطعة على كمال قدرتي، وعلى والدتك حيث جعلتك برهانا على براءتها مما اتهمها به الظالمون من الفاحشة وقال
القرطبي : هذا من صفة يوم القيامة، كأنه قال : اذكر يوم يجمع الله الرسل واذ يقول لعيسى كذا وذكر بلفظ الماضى [ إذ قال ] تقريبا للقيامة لأن ما هو آت قريب
[ إذ أيدتك بروح القدس ] أى حين قويتك بالروح الطاهرة المقدسة " جبريل " عليه السلام
[ تكلم الناس في المهد وكهلا ] أى تكلم الناس في المهد صبيا، وفي الكهولة نبيا
[ وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ] أى واذكر نعمتي عليك حين علمتك الكتابة، والحكمة وهي : العلم النافع مع التوراة والإنجيل
[ وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ] أى واذكر ايضا حين كنت تصور الطين كصورة الطير بتيسيري وأمري
[ فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ] أى فتنفخ في تلك الصورة والهيئة فتصبح طيرا بأمر الله ومشيئته
[ وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني ] أى تشفى الأعمى الذي لا يبصر، والأبرص الذي إستعص شفاؤه، بأمري ومشيئتي
[ واذ تخرج الموتى بإذني ] أى تحي الموتى بأمري ومشيئتي، وكرر لفظ [ بإذني ] مع كل معجزة، ردا على من نسب الربوبية الى عيسى، ولبيان أن تلك الخوارق من جهته سبحانه، أظهرها على يديه معجزة له
[ وإذ كففت بني اسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات ] أى واذكر حين منعت اليهود من قتلك، لما هموا وعزموا على الفتك بك، حين جئتهم بالحجج والمعجزات الساطعات
[ فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا سحر مبين ] أى قال الذين جحدوا نبوتك ولم يومنوا بك : ما هذه الخوارق سحر ظاهر واضح
[ وإذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ] وهذا ايضا من الإمتنان على عيسى أى واذكر حين أمرت الحواريين وقذفت في قلوبهم، أن آمنوا بي وبرسولي عيسى إبن مريم
[ قالوا أمنا واشهد بأننا مسلمون ] أى قال الحواريون صدقنا يا رب بما أمرتنا، واشهد بأننا مخلصون في هذا الإيمان خاضعون لأمر الرحمن
[ إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ] أى واذكر حين قال الحواريون : يا عيسى هل يقدر ربك على إنزال مائدة من السماء علينا ؟ قال القرطبي : وكان هذا السؤال في إبتداء أمرهم قبل إستحكام معرفتهم بالله عز وجل، ويجوز أن يكون ذلك صدر ممن كان معهم من الجهال، كما قال بعض قوم موسى [ إجعل لنا إلها كما لهم آلهة ] وقال ابو حيان : وهذا اللفظ يقتضي ظاهره الشك في قدرة الله تعالى، على أن ينزل مائدة من السماء، وهذا ما ذهب اليه الزمخشري ((قال الزمخشري : فان قلت : كيف قالوا هل يستطيع ربك بعد إيمانهم واخلاصهم ؟ قلت : ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص، وانما حكى ادعاءهم لهما فدعواهم كانت باطلة، وانهم شاكين وهذا كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم ! والصحيح قول الجمهور)) وأما غيره من أهل التفسير، فأطبقوا على أن الحواريين كانوا مؤمنين، وهم (خواص عيسى)، وأنهم لم يشكوا في ذلك، حتى قال الحسن : لم يشكوا في قدرة الله، وإنما سالوه سؤال مستخبر هل ينزل أم لا ؟ فإن كان ينزل فإسأله لنا فسؤالهم كان للإطمئنان والتثبت
[ قال إتقوا الله إن كنتم مؤمنين ] أى اتقوا الله في أمثال هذه الأسئلة إن كنتم مصدقين بكمال قدرته تعالى
[ قالوا نريد أن ناكل منها وتطمئن قلوبنا ] أى قال الحواريون : نريد بسؤالنا المائدة أن نأكل منها تبركا، وتسكن نفوسنا بزيادة اليقين
[ ونعلم أن قد صدقتنا ] أى ونعلم علما يقينا لا يحوم حوله شائبة من الشك، بصدقك في دعوى النبوة
[ ونكون عليها من الشاهدين ] أى نشهد بها عند من لم يحضرها من الناس


الصفحة التالية
Icon