[ قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ] أجابهم عيسى الى سؤال المائدة لإلزامهم بالحجة الدامغة.. وروي أنه لما أراد الدعاء لبس جبة شعر، ورداء شعر، وقام يصلي ويدعو ربه ويبكى. قال ابو السعود : نادى عيسى ربه مرتين : مرة بوصف الألوهية الجامعة لجميع الكمالات، ومرة بوصف الربوبية المنبئة عن التربية اظهارا لغاية التضرع
[ تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ] أى يكون يوم فرح وسرور لنا ولمن يأتي بعدنا
[ واية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ] أى ودلالة وحجة شاهدة على صدق رسولك، وارزقنا يا الله فإنك خير من يعطى ويرزق، لأنك الغنى الحميد
[ قال الله إني منزلها عليكم ] أي أجاب الله دعاءه، فقال إني سأنزل عليكم هذه المائدة من السماء
[ فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ] أى من كفر بعد تلك الآية الباهرة، فسوف أعذبه عذابا شديدا، لا أعذب مثل ذلك التعذيب أحدا من البشر، وفي الحديث (أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا ألا يدخروا لغد، ولا يخونوا، فخانوا وإدخروا، ورفعوا لغد، فمسخوا قردة وخنازير) قال في التسهيل : جرت عادة الله عز وجل بعقاب من كفر بعد إقتراح آية فأعطيها، ولما كفر بعض هؤلاء مسخهم الله خنازيز
[ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس إتخذوني وأمي إلهين من دون الله ] هذا من باب عطف القصة على القصة عطفت على قصة الحواريين [ إذ قال الحواريون ] [ وإذ قال الله يا عيسى ] قال ابن عباس : هذا القول يكون من الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، ليعلم الكفار أنهم كانوا على باطل والمعنى : اذكر للناس يوم يخاطب الله عبده ورسوله عيسى ابن مريم في الآخرة توبيخا للكفرة، وتبكيتا لهم قائلا : يا عيسى أأنت دعوت الناس الى عبادتك والإعتقاد بألوهيتك، وألوهية أمك ؟! قال القرطبي : إنما سأله عن ذلك توبيخا لمن إدعى ذلك عليه، ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ في التكذيب، وأشد في التوبيخ والتقريغ
[ قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ] أى أنزهك عما لا يليق بك يا رب، فما ينبغي لي أن أقول قولا لا يحق لي أن أقوله
[ إن كنت قلته فقد علمته ] أى إن كان ذلك صدر مني، فإنك لا يخفى عليك شيء، وأنت العالم بأني لم اقله، وهذا إعتذار وبراءة من ذلك القول، ومبالغة في الأدب وإظهار الذلة والمسكنة في حضرة
ذي الجلال
[ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ] أى تعلم حقيقة ذاتي وما إنطوت عليه ولا أعلم حقيقة ذاتك وما إحتوت عليه، من صفات الكمال، إنك أنت العالم بالخفايا والنوايا، وعلمك محيط بما كان وما يكون
[ ما قلت لهم الا ما أمرتني به ] أى ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به، قال الرازي : وضع القول موضع الامر، [ ما قلت لهم ] نزولا على موجب الأدب، لئلا يجعل نفسه وربه آمرين معا
[ ان اعبدوا الله ربي وربكم ] أى قلت لهم : اعبدوا الله خالقي وخالقكم، فأنا عبد مثلكم
[ وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ] أى كنت شاهدا على اعمالهم حين كنت بين أظهرهم
[ فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم ] أى فلما قبضتني إليك بالرفع الى السماء، كنت يا الله أنت الحفيظ لأعمالهم، والشاهد على أفعالهم
[ وأنت على كل شيء شهيد ] أى وأنت المطلع على كل شيء لا يخفى عليك شيء
[ إن تعذبهم فإنهم عبادك ] أى إن تعذبهم فأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت، لا إعتراض عليك
[ وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ] أى وإن تغفر لمن تاب منهم، فإنك أنت الغالب على امره (الحكيم ) في صنعه
[ قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ] أى يوم القيامة ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم لأنه يوم الجزاء


الصفحة التالية
Icon