[ إلا كانوا عنها معرضبن ] أى إلا تركوا النظر فيها ولم يلتفتوا إليها. قال القرطبي : والمراد تركهم النظر في الآيات التي يجب أن يستدلوا بها على توحيد الله عز وجل، والمعجزات التي أقامها لنبيه (ص) التى يستدل بها على صدقه، في جميع ما أتى به عن ربه
[ فقد كذبوا بالحق لما جاءهم ] أى كذبوا بالقرآن الذي جاءهم من عند الله
[ فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون ] أي سوف يحل بهم العقاب إن عاجلا أو آجلا، ويظهر لهم خبر ما كانوا به يستهزءون، وهذا وعيد لهم بالعذاب، والعذاب على استهزائهم.. ثم حضهم تعالى على الاعتبار بمن سبقهم من الأمم فقال سبحانه :
[ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ] أى ألا يعتبرون بمن أهلكنا من الأمم قبلهم لتكذيبهم الأنبياء ؟ ألم يعرفوا ذلك ؟
[ مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ] أى منحناهم من أسباب السعة والعيش، والتمكين في الأرض، ما لم نعطكم يا أهل مكة
[ وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ] أى أنزلنا المطر غزيرا متتابعا يدر عليهم درا
[ وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم ] أى من تحت أشجارهم ومنازلهم، حتى عاشوا في الخصب والريف، بين الأنهار والبحار
[ فأهلكناهم بذنوبهم ] أى فكفروا وعصوا فأهلكناهم بسبب ذنوبهم، وهذا تهديد للكفار أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء على حال قوتهم وتمكينهم في الأرض
[ وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ] أى أحدثنا من بعد إهلاك المكذبين، قوما آخرين غيرهم، قال ابو حيان : وفيه تعريض للمخاطبين بإهلاكهم إذا عصوا كما أهلك من قبلهم
[ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس ] أى لو ئزلنا عليك يا محمد كتابا مكتوبا على ورق كما اقترحوا
[ فلمسوه بأيديهم ] أى فعاينوا ذلك ومسوه باليد، ليرتفع عنهم كل إشكال، ويزول كل ارتياب
[ لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ] أى لقال الكافرون عند رؤية تلك الآية الباهرة تعنتا وعنادا : ما هذا إلا سحر واضح ! ! والغرض أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم أوضح الآيات وأظهر الدلائل
[ وقالوا لولا أنزل عليك ملك ] أى هلا أنزل على محمد ملك يشهد بنبوته وصدقه، و[ لولا ] بمعنى " هلا " للتحضيض، قال أبو السعود : أى هلا أنزل عليه ملك، بحيث نراه ويكلمنا أنه نبى ؟ وهذا من أباطيلهم المحققة وخرافاتهم الملفقة، التي يتعللون بها كلما ضاقت عليهم الحيل، وعيبت بهم العلل
[ ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ] أى لو أنزلنا الملك كما اقترحوا وعاينوه، ثم كفروا لحق إهلاكهم ((وقيل : المعنى لو أنزلنا ملكا لماتوا من هول رؤيته إذ لا يطيقون رؤيته وهو منقول عن ابن عباس كذا في القرطبي ))، كما جرت عادة الله، بأن من طلب آية ثم لم يؤمن بها، أهلكه الله حالا
[ ثم لا ينظرون ] أى ثم لا يمهلون ولا يؤخرون، والآية كالتعليل لعدم اجابة طلبهم، فإنهم - في ذلك الإقتراح - كالباحث عن حتفه بظلفه
[ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ] أى لو جعلنا الرسول ملكا لكان في صورة رجل، لأنهم لا طاقة لهم برؤية الملك في صورته الملكية
[ وللبسنا عليهم ما يلبسون ] أى لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم وعلى ضعفائهم، فإنهم لو رأوا الملك في صورة إنسان، لقالوا هذا إنسان وليس بملك، قال ابن عباس : لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور، ثم قال تعالى تسلية للنبى (ص) :
[ ولقد استهزىء برسل من قبلك ] أى والله لقد استهزأ الكافرون من كل الأمم، بأنبيائهم الذين بعثوا إليهم
[ فحاق بالذين سخروا منهم ماكانوا به يستهزءون ] أى أحاط ونزل بهؤلاء المستهزئين بالرسل عاقبة استهزائهم، وفي هذا الإخبار تهديد للكفار


الصفحة التالية
Icon