[ فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ] أي فإنهم في دخيلة نفوسهم لا يكذبونك، بل يعتقدون صدقك ولكنهم يجحدون عن عناد، فلا تحزن لتكذيبهم، قال ابن عباس : كان رسول الله (ص) يسمى (الأمين ) فعرفوا أنه لا يكذب في شيء، ولكنهم كانوا يجحدون فكان ابو جهل يقول : ما نكذبك يا محمد إنك عندنا لمصدق، وإنما نكذب ما جئتنا به
[ ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا ] أى صبروا على ما نالهم من قومهم من التكذيب والاستهزاء
[ وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ] أى وأوذوا في الله حتى نصرهم الله، وفي الآية إرشاد له (ص) إلى الصبر، ووعد له بالنصر
[ ولا مبدل لكلمات الله ] قال ابن عباس : أى لمواعيد الله، وفى هذا تقوية للوعد
[ ولقد جاءك من نبأ المرسلين ] أى ولقد جاءك بعض أخبار المرسلين، الذين كذبوا وأوذو ا كيف أنجيناهم ونصرناهم على قومهم ؟ فتسل ولا تحزن فإن الله ناصرك كما نصرهم
[ وإن كان كبر عليك إعراضهم ] أى إن كان إعراضهم عن الإسلام، قد عظم وشق عليك يا محمد
[ فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ] أى إن قدرت إن تطلب سربا ومسكنا في جوف الأرض
[ أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ] أى مصعدا تصعد به إلى السماء، فتأتيهم بآية مما اقترحوه فافعل
[ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ] أى لو أراد الله لهداهم إلى الإيمان، فلا تكونن يا محمد من الذين يجهلون حكمة الله ومشيئته الآزلية.
البلاغة :
١ - [ كما يعرفون أبناءهم ] فيه تشبيه يسمى " المرسل المجمل ".
٢ - [ الذين كنتم تزعمون ] فيه إيجاز بالحذف أى تزعمونهم شركاء.
٣ - [ انظر كيف كذبوا ] الصيغة للتعجيب من كذبهم الغريب.
٤ - [ وفي آذانهم وقرا ] عبر بالأكنة في القلوب والوقر في الآذان، وهو تمثيل بطريق الاستعارة لإعراضهم عن القرآن، حيث شبههم بالعمي والصم.
٥ - [ يقول الذين كفروا ] وضع الظاهر موضع الضمير لتسجيل الكفر عليهم.
٦ - [ ينهون وينأون ] بينهما من المحسنات البديعية (الجناس الناقص ).
٧ - [ وإنهم لكاذبون ] وردت الصيغة مؤكدة بمؤكدين " إن " و " اللام " للتنبيه على أن الكذب طبيعتهم.
٨ - [ وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ] فيه تشبيه بليغ، حيث جعلت الدنيا نفس اللعب واللهو مبالغة، كقول الخنساء :" فإنما هي إقبال وإدبار، .
٩ - [ أفلا تعقلون ] الاستغهام للتوبيخ.
١٠ - [ كذبت رسل ] تنوين رسل للتفخيم والتكثير.
تنبيه :
قال الإمام الفخر : قوله تعالى [ ولو ترى إذ وقفوا على النار ] يقتضى له جوابا، وقد حذف تفخيما للأمر وتعظيما للشأن، وأشباهه كثير في القرآن والشعر، وحذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، ألا ترى أنك لو قلت لغلامك : والله لئن قمت إليك - وسكت عن الجواب - ذهب فكره إلى أنواع المكروه من الضرب، والقتل، والكسر، وعظم خوفه لأنه لم يدر أى الاقسام تبغي، ولو قلت : والله لئن قمت إليك لأضربنك، فأتيت بالجواب لعلم أنك لم تبلغ شينا غير الضرب، فثبت أن حذف الجواب أقوى تأثيرا في حصول الخوف.
قال الله تعالى :[ إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله.. إلى.. والله أعلم بالظالمين ] من آية (٣٦) إلى نهاية آية (٥٨).
المناسبة :
لما ذكر الله تعالى إعراض المشركين عن القرآن وعن الإيمان بالنبى عليه السلام، ذكر في هذه الآيات السبب في ذلك، وهو أن القرآن نور وشفاء يهتدي به المؤمنون، وأما الكافرون فهم بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ولا يستجيبون، ثم ذكر اقتراح المشركين بعض الآيات، وشبههم بالصم البكم الذين لا يعقلون.
اللغة :
[ تضرعوا ] التضرع من الضراعة وهي الذلة
[ الباساء ] من البؤس وهو الفقر