[ وعلم آدم الأسماء كلها ] أي أسماء المسميات كلها قال ابن عباس : علمه اسم كل شئ حتى القصعة والمغرفة
[ ثم عرضهم على الملائكة ] أي عرض المسميات على الملائكة وسألهم على سبيل التبكيت
[ فقال أنبئوني ] أي أخبروني
[ بأسماء هؤلاء ] أي بأسماء هذه المخلوقات التي ترونها
[ إن كنتم صادقين ] أي في زعمكم أنكم أحق بالخلافة ممن استخلفته، والحاصل أن الله تعالى أظهر فضل آدم للملائكة بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة، وخصه بالمعرفة التامة دونهم، من معرفة الأسماء، والأشياء، والأجناس، واللغات، ولهذا اعترفوا بالعجز والقصور
[ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ] أي ننزهك يا الله عن النقص ونحن لا علم لنا إلا ما علمتنا إياه
[ إنك أنت العليم ] أي الذي لا تخفى عليه خافية
[ الحكيم ] الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة
[ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم ] أي أعلمهم بالأسماء التى عجزوا عن علمها، واعترفوا بتقاصر هممهم عن بلوغ مرتبتها
[ فلما أنبأهم بأسمائهم ] أي أخبرهم بكل الأشياء، وسمى كل شئ باسمه، وذكر حكمته التي خلق لها
[ قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض ] أي قال تعالى للملائكة : ألم أنبئكم بأني أعلم ما غاب فى السموات والأرض عنكم
[ وأعلم ما تبدون ] أي ما تظهرون
[ وما كنت تكتمون ] أي تسرون من دعواكم أن الله لا يخلق خلقاً أفضل منكم. روي أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام رأت الملائكة فطرته العجيبة، وقالوا : ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أكرم عليه منه!!.
البلاغة :
١- التعرض بعنوان الربوبية [ وإذ قال ربك ] مع الإضافة إلى الرسول عليه السلام للتشريف والتكريم لمقامه، وتقديم الجار والمجرور [ للملائكة ] للاهتمام بما قدم، والتشويق إلى ما أخر.
٢- الأمر في قوله تعالى [ أنبئوني ] خرج عن حقيقته إلى التعجيز والتبكيت.
٣- [ فلما أنبأهم بأسمائهم ] فيه مجاز بالحذف والتقدير : فأنبأهم بها فلما أنبأهم، حذف لفهم المعنى.
٤- [ ثم عرضهم ] هو من باب التغليب لأن الميم علامة الجمع للعقلاء الذكور، ولو لم يغلب لقال [ ثم عرضها ] أو عرضهن.
٥- إبراز الفعل فى قوله [ إني أعلم غيب السموات ] ثم قال [ وأعلم ما تبدون ] للاهتمام بالخبر والتنبيه على إحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء، ويسمى هذا بالإطناب.
٦- تضمنت آخر هذه الآية من علم البديع ما يسمى بـ " الطباق " وذلك فى كلمتي [ تبدون ] و[ تكتمون ] كقوله تعالى عن أصحاب الكهف [ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ].
الفوائد :
الأولى : قال بعض العلماء : في إخبار الله تعالى للملائكة عن خلق آدم واستخلافه في الأرض، تعليم لعباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها.
الثانية : الحكمة من جعل آدم عليه السلام خليفة هي الرحمة بالعباد – لا لافتقار الله – وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله مباشرة، ولا بواسطة ملك، فمن رحمته ولطفه وإحسانه إرسال الرسل من البشر.
الثالثة : قال الحافظ ابن كثير : وقول الملائكة :[ أتجعل فيها من يفسد فيها ] الآية ليس هذا على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون : ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ؟ وقال فى التسهيل : وإنما علمت الملائكة أن بني آدم يفسدون بإعلام الله إياهم بذلك، وقيل : كان في الأرض جن فأفسدوا، فبعث الله إليهم ملائكة فقتلتهم، فقاس الملائكة بني آدم عليهم.
الرابعة : سئل الشعبي : هل لإبليس زوجة ؟ قال : ذلك عرس لم أشهده ؟ قال : ثم قرأت قوله تعالى :[ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ] فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة، فقلت : نعم.