قال الله تعالى :[ وإذ قلنا لملائكة اسجدوا لآدم.. إلى.. أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] من آية (٣٤) إلى نهاية آية (٣٩).
المناسبة :
أشارت الآيات السابقة إلى أن الله تعالى خص آدم عليه السلام بالخلافة، كما خصه بعلم غزير، وقفت الملائكة عاجزة عنه، وأضافت هذه الآيات الكريمة بيان نوع آخر من التكريم أكرمه الله به، ألا وهو أمر الملائكة بالسجود له، وذلك من أظهر وجوه التشريف والتكريم، لهذا النوع البشري، ممثلا في أصل البشرية آدم عليه السلام.
اللغة :
[ اسجدوا ] أصل السجود : الانحناء لمن يسجد له والتعظيم، وهو في اللغة : التذلل والخضوع، وفي الشرع : وضع الجبهة على الأرض
[ إبليس ] اسم للشيطان وهو أعجمي، وقيل إنه مشتق من الإبلاس وهو الإياس
[ أبى ] امتنع، والإباء : الامتناع مع التمكن من الفعل
[ استكبر ] الاستكبار : التكبر والتعاظم فى النفس
[ رغدا ] واسعا كثيرا لا عناء فيه، والرغد : سعة العيش، يقال : رغد عيش القوم إذا كانوا في رزق واسع، قال الشاعر :
بينما المرء تراه ناعما يأمن الأحداث في عيش رغد
[ فأزلهما ] أصله من الزلل وهو عثور القدم يقال : زلت قدمه أي زلقت ثم استعمل في ارتكاب الخطيئة مجازاً، يقال : زل الرجل إذا أخطأ وأتى ما ليس له إتيانه، وأزله غيره : إذا سبب له ذلك
[ مستقر ] موضع استقرار
[ ومتاع ] المتاع، ما يتمتع به من المأكول، والمشروب، والملبوس، ونحوه
[ فتلقى ] التلقي فى الأصل : الاستقبال تقول خرجنا نتلقى الحجيج أي نستقبلهم، ثم استعمل في أخذ الشيء وقبوله، تقول : تلقيت رسالة من فلان أي أخذتها وقبلتها
[ فتاب ] التوبة فى أصل اللغة : الرجوع، وإذا عديت بعن كان معناها الرجوع عن المعصية، وإذا عديت بعلى كان معناها قبول التوبة، كما هنا [ فتاب عليه ].
التفسير :
[ وإذ قلنا للملائكة ] أي اذكر يا أيها الرسول لقومك حين قلنا للملائكة
[ اسجدا لآدم ] أي سجود (تحية وتعظيم)، لا سجود عبادة
[ فسجدوا إلا إبليس ] أي سجدوا جميعا له غير إبليس
[ أبى واستكبر ] أي امتنع مما أمره الله به وتكبر عنه
[ وكان من الكافرين ] أي صار بإبائه واستكباره من الكافرين، حيث استقبح أمر الله بالسجود لآدم
[ وقلنا يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة ] أي اسكن في جنة الخلد مع زوجك حواء
[ وكلا منها رغدا ] أي كلا من ثمار الجنة أكلا رغدا واسعا هنيئا
[ حيث شئتما ] أي من أي مكان في الجنة أردتما الأكل فيه
[ ولا تقربا هذه الشجرة ] أي لا تأكلا من هذه الشجرة، قال ابن عباس : هي الكرم يعني العنب
[ فتكونا من الظالمين ] أي فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله
[ فأزلهما الشيطان عنها ] أي أوقعهما فى الزلة بسببها وأغواهما بالأكل منها، هذا إذا كان الضمير عائدا إلى الشجرة، أما إذا كان عائدا إلى الجنة فيكون المعنى : أبعدهما وحولهما من الجنة
[ فأخرجهما مما كانا فيه ] أي من نعيم الجنة
[ وقلنا اهبطوا ] أي اهبطوا من الجنة إلى الأرض، والخطاب لآدم وحواء وإبليس
[ بعضكم لبعض عدو ] أي الشيطان عدو لكم فكونوا أعداء له كقوله سبحانه [ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ]
[ ولكم فى الأرض مستقر ] أي لكم فى الدنيا موضع استقرار بالإقامة فيها
[ ومتاع إلى حين ] أي تمتع بنعيهما إلى وقت انقضاء آجالكم
[ فتلقى آدم من ربه كلمات ] أي استقبل آدم دعوات من ربه ألهمه إياها فدعاه بها وهذه الكلمات مفسرة فى موطن آخر فى سورة الأعراف في قوله جل ذكره [ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ] الآية
[ فتاب عليه ] أي قبل ربه توبته
[ إنه هو التواب الرحيم ] أي إن الله كثير القبول للتوبة، واسع الرحمة للعباد
[ قلنا اهبطوا منها جميعا ] كرر الأمر بالهبوط للتأكيد، ولبيان أن إقامة آدم وذريته في الأرض لا فى الجنة
[ فإما يأتينكم منى هدى ] أي رسول أبعثه لكم، وكتاب أنزله عليكم


الصفحة التالية
Icon