قال بعض المفسرين : إن الواجب في الدعاء الإخلاص به، لأنه تعالى قال [ يريدون وجهه ] وهكذا جميع الطاعات لا ينبغي أن تكون لشيء من أغراض الدنيا، إنما يقصد بها رضوان الله تعالى.
قال الله تعالى :[ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو.. إلى.. عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ] من آية (٥٩) إلى نهاية آية (٧٣).
المناسبة :
لما أقام تعالى الأدلة والبراهين على وجوده ووحدانيته، أعقبه بذكر الأدلة على صفاته القدسية : علمه، وقدرته، وعظمته، وجلاله، وسائر صفات الجلال والجمال، ثم ذكر نعمته الجليلة على العباد، بإنجائهم من الشداند، وقدرته على الانتقام ممن خالف أمره وعصى رسله.
اللغة :
[ كرب ] الكرب : الغم الذي يأخذ بالنفس
[ شيعا ] الشيعة : الفرقة تتبع الأخرى ويجمع على شيع وأشياع
[ أبسلوا ] الإبسال : تسليم الإنسان نفسه للهلاك
[ عدل ] فدية
[ حميم ] الحميم : الماء الحار
[ حيران ] الحيرة : التردد في الأمر لا يهتدي إلى مخرج منه
[ الغيب ] ما غاب عن الحواس
[ الشهادة ] ما كان مشاهدا ظاهرا للعيان
[ تحشرون ] تجمعون.
التفسير :
[ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ] أى عند الله خزائن علم الغيب، وهي الأمور المغيبة الخفية، لا يعلمها ولا يحيط بها إلا هو جل وعلا
[ ويعلم ما في البر والبحر ] أى ويعلم ما في البر والبحر من الحيوانات، جملة وتفصيلا، وفي كل عوالم وعجائب وسعها علمه وقدرته
[ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ] مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات أى لا تسقط ورقة من الشجر، إلا يعلم وقت سقوطها، والأرض التى تسقط عليها
[ ولا حبة في ظلمات الأرض ] أى ولا حبة صغيرة في باطن الأرض، إلا يعلم مكانها، وهل تنبت أو لا ؟ وكم تنبت ومن يأكلها ؟
[ ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين ] أى ولا شئ فيه رطوبة أو جفاف، إلا وهو معلوم عند الله، ومسجل في اللوح المحفوظ قال ابو حيان : وأنظر إلى حسن ترتيب هذه المعلومات : بدأ أولا بأمر معقول، لا ندركه نحن بالحس وهو [ مفاتح الغيب ] ((كتب شهيد الإسلام " سيد قطب " في تفسيره الظلال حول هذه الآية كلاما رائعا نجتزىء منه بعض فقرات، قال طيب الله ثراه " وهذه الآية صورة لعلم الله الشامل المحيط الذي لا يند عنه شىء في الزمان ولا في المكان، فى الارض ولا فى السماء، فى البر ولا فى البحر إنها صورة لعلم الله الشامل المحيط، الذي لا يند عنه شيء في الزمان ولا في المكان، في الأرض ولا في السماء، في البر ولا في البحر، في جوف الأرض ولا في طباق الجو، من حي وميت ويابس ورطب... إن الخيال البشري لينطلق وراء النص القصير يرتاد آفاق المعلوم والمجهول، وراء حدود هذا الكون المشهود.. وإن الوجدان ليرتعش وهو يرتاد أستار الغيوب المختومة في الماضي والحاضر والمستقبل، البعيدة الآماد والآفاق والأغوار.. مفاتحها كلها عند الله، لا يعلمها إلا هو.. ويجول في مجاهل البر وفي غيابات البحر، المكشوفة كلها لعلم الله. ويتبع الأوراق الساقطة من أشجار الأرض، لا يحصيها عد، وعين الله على كل ورقة تسقط، هنا وهناك. ويلحظ كل حبة مخبوءة في ظلمات الأرض لا تغيب عن عين الله. ويرقب كل رطب وكل يابس في هذا الكون العريض، لا يند منه شيء عن علم الله المحيط. إنها جولة تدير الرؤوس، وتذهل العقول. جولة في أغوار من المنظور والمحجوب، والمعلوم والمجهول. وهي ترسم هكذا بدقة كاملة شاملة في بضع كلمات.. ألا إنه الإعجاز !)) ثم ثانيا بأمر ندرك كثيرا منه بالحس وهو [ البر والبحر ] ثم ثالثا بجزأين لطيفين أحدهما علوي وهو سقوط الورقة من علو، والثاني سفلي وهو اختفاء حبة في بطن الأرض، فدل ذلك على أنه تعالى عالم بالكليات والجزئيات