[ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ] أي ينيمكم بالليل، ويعلم ما كسبتم من العمل بالنهار، قال القرطبي : وليس ذلك موتا حقيقة بل هو قبض الأرواح، قال ابن عباس : يقبض أرواحكم في منامكم، وفي هذا اعتبار واستدلال على البعث الأخروي
[ ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ] أى ثم يوقظكم في النهار لتبلغوا الأجل المسمى لإنقطاع حياتكم، والضمير عائد على النهار، لأن غالب اليقظة فيه، وغالب النوم بالليل
[ ثم إليه مرجعكم ] أى ثم مرجعكم إلى الله وحده يوم القيامة
[ ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ] أى يخبركم بأعمالكم ويجزيكم عليها، إن خيرا فخير، وإن شر فشر.. ثم ذكر تعالى جلال عظمته وكبريائه فقال سبحانه
[ وهو القاهر فوق عباده ] أى هو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء
[ ويرسل عليكم حفظة ] أى ملائكة تحفظ أعمالكم وهم الكرام الكاتبون، قال ابو السعود : وفي ذلك حكمة جميلة ونعمة جليلة، لأن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ عليه، وتعرض على رءوس الأشهاد، كان ذلك أزجر له عن تعاطي المعاصي والقبائح
[ حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ] أى حتى إذا انتهى أجل الإنسان، توفته الملائكة الموكلون بقبض الأرواح، والمعنى : أن حفظ الملائكة للأشخاص، ينتهي عند نهاية الأجل، فهم مأمورون بحفظ ابن آدم ما دام حيا، فإذا انتهى أجله فقد انتهى حفظهم له
[ وهم لا يفرطون ] أى لا يقصرون في شئ مما أمروا به، من الحفظ والتوفي
[ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ] أي ثم يرد العباد بعد البعث، الى الله خالقهم ومالكهم، الذي له وحده الحكم والتصرف، والذي لا يقضي إلا بالعدل
[ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ] أى له جل وعلا الحكم وحده يوم القيامة، وله الفصل والقضاء، لا يشغله حساب عن حساب، ولا شأن عن شأن، يحاسب الخلائق كلهم في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، كما ورد به الحديث، وروي أنه يحاسب الناس في مقدار حلب شاة ((سئل على رضي الله عنه : كيف يحاسب الله العباد في حالة واحدة، وفي وقت واحد ؟ فقال : كما يرزقهم في الدنيا في حال واحدة، كذلك يحاسبهم في وقت واحد ))
[ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر ] أى قل يا محمد لهؤلاء الكفرة من ينقذكم ويخلصكم في أسفاركم من شدائد وأهوال البر والبحر ؟
[ تدعونه تضرعا وخفية ] أى تدعون ربكم عند معاينة هذه الأهوال مخلصين له الدعاء مظهرين الضراعة، تضرعا بألسنتكم وخفية في أنفسكم، قال ابن عباس المعنى : تدعون ربكم علانية وسرا قائلين
[ لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين ] أى لئن خلصتنا من هذه الظلمات والشدائد، لنكونن من المؤمنين الشاكرين ! ! والغرض : إذا خفتم الهلاك دعوتموه فإذا نجاكم كفرتموه، قال القرطبي : وبخهم الله في دعائهم إياه عند الشدائد، وهم يدعون معه في حالة الرخاء غيره
[ قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ] أى الله وحده ينجيكم من هذه الشدائد، ومن كل كرب وغم
[ ثم أنتم تشركون ] تقريع وتوببخ، أى ثم أنتم بعد معرفتكم بهذا كله وتحققه، تشركون به ولا تؤمنون
[ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ] أى قل يا محمد لهؤلاء الكفرة : أنه تعالى قادر على إهلاككم، بإرسال الصواعق من السماء، وما تلقيه البراكين من الأحجار والحمم، وكالرجم بالحجارة والطوفان والصيحة والريح كما فعل بمن قبلكم
[ أو من تحت أرجلكم ] بالخسف والزلازل والرجفة كما فعل بقارون وأصحاب مدين
[ أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ] أى يجعلكم فرقا متحزبين يقاتل بعضكم بعضا، قال البيضاوي : أى يخلطكم فرقا متحزبين على أهواء شتى، فينشب القتال بينكم وقال ابن عباس : أى يبث فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقا، والكل متقارب والغرض منه الوعيد