[ كالذي استهوته الشياطين في الأرض ] أى فيكون مثلنا كمثل الذي اختطفته الشياطين، وأضلته وسارت به في المفاوز والمهالك، فألقته في هوة سحيقة
[ حيران ] أي متحيرا، لا يدري أين يذهب
[ له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا ] أى يدعونه إلى الطريق الواضح، يقولون : ائتنا فلا يقبل منهم، ولا يستجيب لهم
[ قل إن هدى الله هو الهدى ] أى قل لهؤلاء الكفار : إن ما نحن عليه من الإسلام هو الهدى وحده وما عداه ضلال
[ وأمرنا لنسلم لرب العالمين ] أى أمرنا بان نستسلم لله عز وجل، ونخلص له العبادة، في جميع أمورنا وأحوالنا، وهذا تمثيل لمن ضل عن الهدى، وهو يدعى إلى الإسلام فلا يجيب، قال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها، وللدعاة الذين يدعون إلى الله، كمثل رجل ضل عن الطريق تائها ضالا، إذ ناداه منابر يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق، وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق، فإن اتبع الداعي الأول، انطلق به حتى يلقيه في الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق، يقول : مثل من يعبد هؤلاء الآلهة من دون الله، فإنه يرى إنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والندامة
[ وأن أقيموا الصلاة واتقوه ] أي وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقوى الله في جميع الأحوال
[ وهو الذي إليه تحشرون ] أى تجمعون إليه يوم القيامة، فيجازي كل عامل بعمله
[ وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ] أى هو سبحانه الخالق المالك، المدبر للسموات والأرض ومن فيهما، خلقهما بالحق، ولم يخلقهما باطلا ولا عبثا
[ ويوم يقول كن فيكون ] أى واتقوه، واتقوا عقابه، واحذروا المكاره والشدائد، يوم يقول كن فيكون، قال ابو حيان : وهذا تمثيل لإخراج الشيء من العدم إلى الوجود وسرعته، لا إن ثم شيئا يؤمر
[ قوله الحق وله الملك ] أى قوله الصدق الواقع لا محالة، وله الملك يوم القيامة
[ يوم ينفخ في الصور ] أى يوم ينفخ اسرافيل في الصور (النفخة الثانية)، وهي نفخة الإحياء
[ عالم الغيب والشهادة ] أى يعلم ما خفي وما ظهر، وما يغيب عن الحواس والأبصار، وما تشاهدونه بالليل والنهار
[ وهو الحكيم الخبير ] أي (الحكيم ) في أفعاله، (الخبير) بشؤون عباده.
البلاغة :
١ - [ وعنده مفاتح الغيب ] استعار المفاتح للأمور الغيبية، كأنها مخازن خزنت فيها المغيبات، قال الزمخشري : جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة، لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المغلقة بالأقفال، فهو سبحانه العالم بالمغيبات وحده.
٢ - [ وهو الذي يتوفاكم بالليل ] فيها استعارة لطيفة، استعير التوفي للنوم، لما بينهما من المشاركة في زوال الاحساس والتمييز.
٣ - [ قلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ] وضع الظاهر موضع الضمير (معهم للتسجيل عليهم بشناعة ما ارتكبوا، حيث وضعوا التكذيب والاستهزاء، مكان التصديق والتعظيم.
٤ - [ ونرد على أعقابنا ] كنى عن الشرك بالرد على الأعفاب، لزيادة تقبيح الأمر وتشنيعه.
٥ - [ تعدل كل عدل ] بينهما جناس الاشتقاق.
٦ - من المحسنات البديعية الطباق في كل من [ رطب ويابس ] و[ الليل والنهار ] و[ فوق وتحت ] و[ ينفعنا ويضرنا ] و[ الغيب والشهادة ] والسجع في [ شراب من حميم وعذاب أليم ].
تنبيه :
قال الحاكم : دل قوله تعالى [ وعنده مفاتح الغيب ] على بطلان قول الإمامية : إن الإمام يعلم شيئا من الغيب، وهذا كذب وبهتان لأن الغيب لا يعلمه إلا الله.
قال الله تعالى :[ إذ قال إبراهيم لأبيه آزر.. إلى.. وضل عنكم ما كنتم تزعمون ] من آية (٧٤) الى نهاية آية (٩٤).
المناسبة :