لما ذكر تعالى الحجج الدامغة، الدالة على التوحيد وبطلان عبادة الأوثان، ذكر هنا قصة أب الأنبياء (إبراهيم " لإقامة الحجة على مشركي العرب، في تقديسهم الأصنام، فإنه جاء بالتوحيد الخالص، الذي يتنافى مع الإشراك بالله، وجميع الطوائف والملل معترفة بفضل إبراهيم وجلالة قدره، ثم ذكر شرف الرسل من أبناء إبراهيم، وأمر رسوله بالاقتداء بهديهم الكريم.
اللغة :
[ ملكوت ] ملك، والواو والتاء للمبالغة قي الوصف، كالرغبوت والرهبوت من الرغبة والرهبة
[ جن ] ستر بظلمته، قال الواحدي : جن عليه الليل وأجنه الليل، ويقال لكل ما سترته : جن وأجن ومنه الجنة، والجن والجنون، والجنين، وكل هذا يعود أصله إلى الستر وا لإستتار
[ بازغا ] طالعا يقال : بزغ القمر إذا ابتدا في الطلوع، قال الازهري : كإنه مأخوذ من البزغ وهو الشق، لأنه بنوره يشق الظلمة شقا
[ أفل ] غاب يقال : أفل افولا إذا غاب
[ سلطانا ] حجة
[ يلبسوا ] يخلطوا، يقال : لبس الأمر خلطه، ولبس الثوب اكتسى به
[ اجتبيناهم ] اصطغيناهم
[ قراطيس ] جمع قرطاس وهو الورق، قال الشاعر : استودع العلم قرطاسا فضيعه فبئس مستودع العلم القراطيس
[ غمرات ] الغمرة : الشدة المذهلة، وأصله من غمرة الماء وهي ما يغطى الشيء
[ خولناكم ] أعطيناكم وملكناكم، والتخويل : المنح والإعطاء
[ ضل عنكم ] ضاع وبطل.
سبب النزول :
عن سعيد بن جبير أن " مالك بن الصيف " من إليه ود جاء يخاصم النبى ص)، فقال له النبي (ص) : أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراه أن الله يبغض الحبر السمين ؟ - وكان حبرا سمينا - فغضب وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه الذين معه : ويحك ولا على موسى ؟ فقال : والله ما أنزل الله على بشر من شىء، فأنزل الله [ وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء.. ] الآية.
التفسير :
[ وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة ] أى وأذكر يا أيها الرسول لقومك عبدة الأوثان، وقت قول إبراهيم - الذي يدعون أنهم على ملته - لأبيه آزر منكرا عليه : اتتخذ أصناما آلهة تعبدها ؟ وتجعلها ربا دون الله الذي خلقك فسواك ورزقك ؟
[ إني أراك وقومك في ضلال مبين ] أي فانت وقومك في ضلال عن الحق، مبين واضح لا شك فيه
[ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ] أى نري إبراهيم الملك العظيم، والسلطان الباهر
[ وليكون من الموقنين ] أى وليكون من الراسخين في اليقين، أريناه تلك الآيات الباهرة، قال مجاهد : فرجت له السموات والأرض، فرأى ببصره الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل
[ فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ] أى فلما ستر الليل بظلمته كل ضياء، رأى كوكبا مضيئا في السماء، هو (الزهرة) أو (المشتري )
[ قال هذا ربي ] أى على زعمكم، قاله على سبيل الرد عليهم، والتوبيخ لهم، وإستدراجا لهم لأجل أن يعرفهم جهلهم وخطأهم في عبادة غير الله. قال الزمخشري : كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والكواكب، فأراد أن ينبههم على ضلالتهم ويرشدهم إلى الحق، من طريق النظر والإستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح، مؤد إلى ألا يكون شىء منها آلها، وأن وراءها محدثا أحدثها، ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها، وقوله [ هذا ربي ] قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه، لأن ذلك أدعى الى الحق، ثم يكر عليه فيبطله بالحجة النيرة
[ فلما أفل قال لا أحب الآفلين ] أى فلما غاب الكوكب، قال : لا أحب عبادة من كان كذلك، لأن الرب لا يجوز عليه التغير والإنتقال، لأن ذلك من صفات الأجرام