[ فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي ] أى فلما رأى القمر طالعا منتشر الضوء، قال : هذا ربي على الإسلوب المتقدم، لفتا لأنظار قومه إلى فساد ما يعبدونه، وتسفيها لأحلامهم
[ فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ] أى فلما غاب القمر، قال إبراهيم : لئن لم يثبتني ربي على الهدى، لأكونن من القوم الضالين، وفيه تعريض لقومه بأنهم على ضلال
[ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر ] أى هذا أكبر من الكوكب والقمر
[ فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون ] أي فلما غابت الشمس، قال لقومه : أنا بريء من إشراككم وأصنامكم، قال أبو حيان : لما أوضح لهم أن هذا الكوكب الذي رآه لا يصلح أن يكون ربا، ارتقب ما هو أنور منه وأضوا، فرآى القمر أول طلوعه، ثم لما غاب ارتقب الشمس، إذ كانت أنور من القمر وأضوا، وأكبر جرما وأعم نفعا، فقال ذلك على سبيل الاحتجاج عليهم، وبين أنها مساوية للنجم في صفة الحدوث وقال ابن كثير : والحق أن إبراهيم عليه السلام كان في هذا المقام " مناظرا، لقومه، مبينا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الأصنام، والكواكب السيارة، وأشدهن اضاءة (الشمس، ثم القمر، ثم الزهرة) فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة، التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار، وتحقق ذلك بالدليل القاطع [ قال يا قوم إني بريء مما تشركون ]
[ اني وجهت وجهى ] أى قصدت بعبادتي وتوحيدي
[ للذي فطر السموات والأرض ] أى لله الذي ابتدع العالم، وخلق السموات والأرض
[ حنيفا ] أى مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق
[ وما أنا من المشركين ] أى لست ممن يعبد مع الله غيره
[ وحاجه قومه ] ((ذهب بعض المفسرين إلى أن قول إبراهيم عن الكوكب ﴿هذا ربي ﴾ إنما كان في حال الطفولة قبل استحكام النظر في معرفة الله جل وعلا، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، من أن هذا القول كان في مقام " المناظرة " لقومه، لإقامة الحجة عليهم في بطلان عبادة الكواكب والشمس والقمر، وأن الموافقة في العبارة على طريق الإلزام على الخصم، من أبلغ الحجج وأوضح البراهين، ومما يدل عليه قوله تعالى ﴿وحاجه قومه ﴾ وقوله ﴿وتلك حجتنا اتيناها إبراهبم على قومه ﴾ فالمقام مقام مناظرة - كما قال الحافط ابن كثير - لا مقام نظر، وحاشا الخليل، أن يشك في الرب الجليل، وهو أب الأنبياء وإمام الحنفاء، وقد ساق " الفخر الرازي " اثنتي عشرة حجة في تأييد مذهب الجمهور في تفسيره الكبير وهذا اختيار أساطين المفسرين كالقرطبى والزمخشري وأبي السعود وابن كثبر وصاحب البحر المحيط والله أعلم )) أى جادلوه وناظروه في شأن التوحيد، قال ابن عباس : جادلوه في آلهتهم وخوفوه بها، فأجابهم منكرا عليهم
[ قال أتحاجونى في الله ] أي أتجادلونني في وجود الله ووحدانيته ؟
[ وقد هدان ] أى وقد بصرني وهداني إلى الحق ؟
[ ولا أخاف ما تشركون به ] أى لا أخاف هذه الآلهة المزعومة التي تعبدونها من دون الله، لأنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، وليست قادرة على شيء مما تزعمون
[ إلا إن يشاء ربي شيئا ] أى إلا إذا أراد ربي أن يصيبني شي من المكروه فيكون
[ وسع ربي كل شيء علما ] أى أحاط علمه بجميع الأشياء
[ أفلا تتذكرون ] استفهام للتوبيخ أى أفلا تعتبرون وتتعظون ؟ وفي هذا تنبيه لهم على غفلتهم التامة، حيث عبدوا ما لا يضر ولا ينفع، وأشركوا بالله مع ظهور الدلائل الساطعة على وحدانيته سبحانه
[ وكيف أخاف ما أشركتم ] أى كيف أخاف آلهتكم التي أشركتموها مع الله في العبادة !
[ ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ] أى وأنتم لا تخافون الله القادر على كل شيء، الذي أشركتم به، بدون حجة ولا برهان


الصفحة التالية
Icon