[ بديع ] مبدع وهو الخالق على غير مثال سابق، والإبداع الإتيان بشيء لم يسبق إليه، ولهذا يقال لمن أتى في فن من الفنون لم يسبقه فيه غيره : إنه أبدع
[ نصرف ] التصريف : نقل الشيء من حال الى حال.
سبب النزول :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال كفار قريش لأبي طالب إما أن تنهى محمدا وأصحابه عن سب آلهتنا والنيل منها، وإما ان نسب إلهه ونهجوه فنزلت [ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم.. ] الآية وفي رواية أخرى أن المشركين قالوا يا محمد : لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك فنزلت.
التفسير :
عاد الكلام إلى الإحتجاج على المشركين بعجائب الصنع ولطائف التدبير فقال سبحانه :
[ أن الله فالق الحب والنوى ] أى يفلق الحب تحت الأرض، لخروج النبات منها، ويفلق النوى لخروج الشجر منها، قال القرطبي : أى يشق النواة الميتة، فيخرج منها ورقا أخضر، وكذلك الحبة
[ يخرج الحى من الميت ومخرج الميت من الحي ] أى يخرج النبات الغض الطرفي من الحب اليابس، ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي، وقال ابن عباس : يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وعلى هذا فالحي والميت (استعارة) عن المؤمن والكافر
[ ذلكم الله فأنى تؤفكون ] أى ذلكم الله الخالق المدبر، فكيف تصرفون عن الحق بعد هذا البيان ؟
[ فالق الإصباح ] أى شاق الضياء عن الظلام وكاشفه، قال الطبري : شق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده
[ وجعل الليل سكنا ] أى يسكن الناس فيه عن الحركات ويستريحون
[ والشمس والقمر حسبانا ] أى بحساب دقيق يتعلق به مصالح العباد، ويعرف بهما حساب الأزمان والليل والنهار
[ ذلك تقدير العزيز العليم ] أى ذلك التسيير بالحساب المعلوم، تقدير الغالب القاهر الذي لا يستعصي عليه شيء، العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم
[ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ] أى خلق لكم النجوم لتهتدوا بها في أسفاركم، في ظلمات الليل في البر والبحر، وإنما امتن عليهم بالنجوم لأن سالكى القفار، وراكبي البحار، إنما يهتدون في الليل لمقاصدهم بها
[ قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ] أى بينا الدلائل على قدرتنا، لقوم يتدبرون عظمة الخالق
[ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ] أى خلقكم وأبدعكم من نفس واحدة هي آدم عليه السلام
[ فمستقر ومستودع ] قال ابن عباس : المستقر في الارحام، والمستودع في الأصلاب، أى لكم استقرار في أرحام أمهاتكم وأصلاب أبائكم، وقال ابن مسعود : مستقر في الرحم، ومستودع في الأرض التي تموت فيها ((وفسر المستقر أيضا بالاستقرار فوق الأرض والمستودع تحت الأرض، واختار الطبري العموم ))
[ قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ] أى بينا الحجج لقوم يفقهون الأسرار والدقائق، قال الصاوي : عبر هنا ب [ يفقهون ] إشارة إلى أن أطوار الإنسان وما احتوى عليه، أمر خفى، تتحير فيه الألباب، بخلاف النجوم فأمرها ظاهر مشاهد، ولذا عبر فيها ب [ يعلمون ]
[ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ ] أى أنزل من السحاب المطر، فاخرج به كل ما ينبت من الحبوب والفواكه، والثمار والبقول، والحشائش والشجر، قال الطبري : أى أخرجنا به ما ينبت به كل شيء، وينمو عليه ويصلح
[ فأخرجنا منه خضرا ] أى أخرجنا من النبات شيئا غضعا أخضر
[ نخرج به حبا متراكبا ] أى نخرج من الخضر حبا متراكبا بعضه فوق بعض، كسنابل الحنطة والشعير، قال ابن عباس : يريد القمح والشعير والذرة والأرز
[ ومن النخل من طلعها قنوان دانية ] أى وأخرجئا من طلع النخل - والطلع أول ما يخرج من التمر في أكمامه - عناقيد قريبة سهلة التناول، قال ابن عباس : يريد العراجين التي قد تدلت من الطلع دانية ممن يجتنبها