قوله تعالى [ لا تدركه الأبصار ] الآية نفت الإحاطة ولم تنف الرؤية، فلم يقل تعالى : لا تراه الأبصار، فم ذهب إلى عدم رؤية الله في الآخرة كالمعتزلة، فقد جانب الحق وضل السبيل، بمخالفة ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله، المتواترة، أما الكتاب فقوله تعالى [ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ] وأما السنة فما أخرجه البخاري " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته.. " الحديث، وكفى بالكتاب والسنة دليلا وهاديا.
قال الله تعالى :[ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى.. إلى.. وهو وليهم بما كانوا يعملون ] من آية ( ١ ١ ١ ) إلى نهاية آية (٢٧ ١ ).
المناسبة :
لما ذكر تعالى دلائل التوحيد والنبوة والبعث، واقتراح المشركين بعض الآيات على رسول الله (ص) ذكر هنا أن رؤبة المعجزات لن تفيد من عميت بصيرته، وأنه لو أتاهم بالآيات التي اقترحوها من إنزال الملائكة، وإحياء الموتى حتى يكلموهم، وحشر السباع والدواب والطيور وشهادتهم بصدق الرسول، ما آمنوا بمحمد والقرآن، لتأصلهم في الضلال والطغيان.
اللغة :
[ قبلا ] مقابلة ومواجهة ومنه قولهم أتيتك قبلا لا دبرا أى من قبل وجهك
[ وحشرنا ] الحشر : الجمع مع سوق، وكل جمع حشر ومنه
[ فحشر فنادى ].
[ زخرف ] قال الزجاج : الزخرف : الزينة وقال ابو عبيدة : كل ما حسنته وزينته وهو باطل فهو زخرف
[ ولتصغي ] صغى إلى الشيء مال إليه ومثله أصغى، وفي الحديث " فأصغى إليه الإناء " وأصله الميل
[ يقترفون ] اقترف : اكتسب وأكثر ما يكون في الشر، يقال : قرف الذنب واقترفه أى اكتسبه
[ يخرصون ] يكذبون، قال الازهري : أصله الظن فيما لا يستيقن)
[ صغار ] ذلة وهوان
[ يشرح ] الشرح : البسط والتوسعة
[ حرجا ] الحرج : شدة الضيق، قال ابن قتيبة : الحرج الذي ضاق فلم يجد منفذا.
سبب النزول :
عن ابن عباس أن أبا جهل رمى رسول الله (ص) بفرث - وحمزة لم يؤمن بعد - فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل، وهو راجع من قنصه وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس، فقال أبو جهل : أما ترى ما جاء به ؟ سفه عقولنا، وسب آلهتنا، وخالف أباءنا! ! قال حمزة : ومن أسفه منكم ؟ تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا آله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فأنزل الله [ أو من كان ميتا فأحييناه.. ] الآية.
التفسير :
[ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ] هذا بيان لكذب المشركين، في أيمانهم الفاجرة حين أقسموا [ لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ] والمعنى : ولو أننا لم نقتصر على إيتاء ما اقترحوه من آية واحدة من الآيات، بل نزلنا إليهم الملائكة، وأحيينا لهم الموتى، فكلموهم وأخبروهم بصدق محمد (ص) كما اقترحوا
[ وحشرنا عليهم كل شيئ قبلا ] أى وجمعنا لهم كل شيء من الخلائق عيانا ومشاهدة
[ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ] أى لو أعطيناهم هذه الآيات التي اقترحوها، وكل آية لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله ! ! والغرض من الآية التيئيس من إيمانهم
[ ولكن أكثرهم يجهلون ] أى ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون ذلك، قال الطبري : أى يجهلون أن الأمر بمشيئة الله، يحسبون أن الإيمان إليهم، والكفر بأيديهم، متى شاءوا آمنوا، ومتى شاءوا كفروا، وليس الأمر كذلك، ذلك بيدي لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته اضللته
[ وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن ] أى كما جعلنا هؤلاء المشركين أعداءك، يعادونك ويخالفونك، كذلك جعلنا لمن قبلك من الأنبياء، أعداء من شياطين الإنس والجن، فاصبر على الأذى كما صبروا، قال ابن الجوزي : أى كما أبتليناك بالأعداء، ابتلينا من قبلك من الأنبياء، ليعظم الثواب عند الصبر على الأذى