[ قل الذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين ] ؟ كرره هنا مبالغة في التقريع والتوبيخ، قال ابو السعود : والمقصود إنكار أن الله سبحائه حرم عليهم شيئا من الأنواع الأربعة، وإظهار كذبهم في ذلك فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة، وإناثها تارة، وأولادها تارة أخرى
[ أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ] زيادة في التوبيخ أى هل كنتم حاضرين حين وصاكم الله بهذا التحريم ؟ وهذا من باب التهكم
[ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ] أى لا أحد أظلم ممن كذب على الله، فنسب إليه تحريم ما لم يحرم بغير دليل! ولا برهان
[ أن الله لا يهدي القوم الظالمين ] عموم في كل ظالم.. ثم أمر تعالى رسوله (ص) بأن يبين لهم ما حرمه الله عليهم فقال
[ قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس ] أى قل يا محمد لكفار مكة : لا أجد فيما أوحاه الله إلي من القرآن، شيئا محرما على أى إنسان، إلا أن يكون ذلك الطعام ميتة، أو دما سائلا مصبوبا، أو يكون لحم خنزير، فإنه قذر ونجس، لتعوده أكل النجاسات
[ أو فسقا أهل لغير الله به ] أى أو يكون المذبوح فسقا ذبح على اسم غير الله، كالمذبوح على النصب، سمى فسقا مبالغة كأنه نفس الفسق، لأنه ذبح على اسم الأصنام
[ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ] أى من اصابته الضرورة واضطرته إلى أكل شيء من المحرمات، فلا إثم عليه، ان كان غير باغ اي غير قاصد التلذذ بأكلها بدون ضرورة، ولا عاد أى مجاوز قدر الضرورة التى تدفع عنه الهلاك، فالله غفور رحيم بالعباد.. ثم بين تعالى أن ما حرمه على إليهود إنما كان بسبب بغيهم وعصيانهم فقال
[ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ] أى وعلى إليه ود خاصة حرمنا عليهم كل ذي ظفر، قال ابن عباس : هي ذوات الظلف كالإبل والنعام وما ليس بذي أصابع منفرجة أى مفتوحة، كالبط والأوز
[ ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ] أى وحرمنا عليهم أكل شحوم البقر وشحوم الغنم
[ إلا ما حملت ظهورهما ] أى إلا الشحم الذي علق بالظهر منهما
[ أو الحوايا ] أى الأمعاء والمصارين
[ أو ما اختلط بعظم ] كشحم الألية، والمعنى : أن الشحم الذي تعلق بالظهور أو احتوت عليه المصارين، أو اختلط بعظم كشحم الألية جائز لهم
[ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ] أى ذلك التحريم بسبب ظلمهم وعدوانهم الذي سبق، من قتل الأنبياء، وأكل الربا، واستحلال أموال الناس بالباطل، وإنا لصادقون فيما قصصنا عليك يا محمد، وفي ذلك تعريض بكذب من حرم ما لم يحرم الله، والتعريض بكذب اليهود
[ فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ] أى فإن كذبك يا محمد هؤلاء اليهود، فيما جئت به من بيان التحريم، فقل متعجبا من حالهم : ربكم ذو رحمة واسعة، حيث لم يعاجلكم بالعقوبة مع شدة إجرامكم، قال فى البحر : وهذا كما تقول عند رؤية معصية عظيمة : ما أحلم الله تعالى! وأنت تريد ما أحلمه لإمهاله العاصي.. ثم أعقب وصفه تعالى بالرحمة الواسعة بالوعيد الشديد فقال
[ ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ] أى لا تغتروا بسعة رحمته، فإنه لا يرد عذابه وسطوته، عمن اكتسبوا الذنوب وإجترحوا السيئات، فهو مع رحمته ذو بأس شديد، وقد جمعت الآية بين الترغيب والترهيب، حتى لا يقنط المذنب من الرحمة، ولا يغتر العاصي بحلم الله.


الصفحة التالية
Icon