[ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آبأونا ولا حرمنا من شيء ] أى سيقول مشركو العرب : لو أراد الله ما كفرنا ولا أشركنا، لا نحن ولا آبأونا، يريدون أن شركهم وتحريمهم لما حرموا كان بمشيئة الله، ولو شاء الله ألا يفعلوا ذلك ما فعلوه، فاحتجوا على ذلك بإرادة الله، كما يقول الواقع في معصية إذا طلب منه الإقلاع عنها : هذا قدر الله لا مهرب ولا مفر منه، ولا حجة في هذا لأنهم مكلفون مأمورون بفعل الخير وترك القييح، ولكنها نزعة جبرية يحتج بها السفهاء عندما تدمغهم الحجة، قال تعالى في الرد عليهم
[ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا ] أى كذلك كذب من سبقهم من الأمم، حتى أنزلنا عليهم العذاب
[ قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ] استفهام إنكاري يقصد به التهكم، أى قل لهم : هل عندكم حجة أو برهان، على صدق قولكم فتظهروه لنا
[ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ] أى ما تتبعون في ذلك إلا الظنون والأوهام، وما أنتم في الحقيقة إلا تكذبون على الله عز وجل
[ قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ] أى قل لهم إن لم تكن لكم حجة، فلله الحجة البينة الواضحة، التي بلغت غاية الظهور والإقناع، فلو شاء لهداكم إلى الايمان أجمعين.. بين تعالى أنه ترك للخلق أمر الاختيار، في الإيمان والكفر، ليتم التكليف الإلهي!، الذي ينبني عليه أمر الجزاء بالثواب، أو العقاب، ولهذا ترك للإنسان حرية الاختيار [ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ] ثم طالبهم تعالى بالبرهان على دعواهم، فقال سبحانه :
[ قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ] أى قل لهم يا محمد : احضروا لي من يشهد لكم على صحة ما تزعمون، أن الله تعالى حرم هذه الأشياء التي تدعونها من (البحيرة والسائبة) وغيرهما
[ فإن شهدوا فلا تشهد معهم ] أى فإن حضروا وكذبوا في شهادتهم وزوروا، فلا تشهد بمثل شهادتهم ولا تصدقهم فإنه كذب بحت
[ ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة ] أى ولا تتبع أهواء المكذبين بآيات الرحمن، الذين لا يصدقون بالآخرة
[ وهم بربهم يعدلون ] أى وهم يشركون بالله غيره، فيعبدون الأوثان.
البلاغة :
١ - [ حمولة وفرشا ] بينهما طباق لأن الحمولة الكبار الصالحة للحمل، والفرش الصغار الدانية من الأرض كأنها فرش.
٢ - [ خطوات الشيطان ] هذا من لطيف الاستعارة وهي أبلغ عبارة للتحذير من طاعة الشيطان والسير في ركابه.
٣ - [ غفور رحيم ] من صيغ المبالغة أى مبالغ في المغفرة والرحمة.
٤ - [ ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمبن ] جاءت الأولى جملة أسمية لأنها أبلغ في الاخبار من الفعلية، فناسبت وصفه تعالى بالرحمة الواسعة، وجاءت الجملة الثانية فعلية [ ولا يرد ] لئلا يتعادل الإخبار عن الوصفين، وباب الرحمة أوسع أفاده في البحر.
فائدة :
في قوله تعالى [ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ] إيذان بأن التحريم إنما يعلم بالوحي لا بالهوى، وأن الله جل وعلا هو المشرع للأحكام والرسول مبلغ عن الله ذلك التشريع، لقوله سبحانه [ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ].
قال الله تعالى :[ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم.. إلى.. بأنه لغفور رحيم ] آية (١٥١ ) إلى الآية ( ١٦٥ ) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى ما حرمه الكفار إفتراء عليه، وذكر ما أباحه تعالى لهم من الحبوب والفواكه والحيوان، ذكر هنا ما حرمه تعالى عليهم حقيقة من الأمور الضارة، وختمها بذكر الوصايا العشر التي اتفقت عليها الشرائع السماوية، وبها سعادة البشرية، لأنها جامعة لكل فنون الصلاح والنجاح.
اللغة :
[ أتل ] أقرا وأقص
[ إملاق ] فقر يقال : أملق الرجل إذا افتقر