[ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ] أى جعلكم خلفا للأمم الماضية والقرون السالفة، يخلف بعضكم بعضا، قال الطبري : أي أستخلفكم بعد أن أهلك من كان قبلكم، من القرون والأمم الخالية، فجعلكم خلائف منهم في الأرض، تخلفونهم فيها
[ ورفع بعضكم فوق بعض درجات ] أى خالف بين أحوالكم في الغنى والفقر، والعلم والجهل، والقوة والضعف، وغير ذلك مما وقع فيه التفضيل بين العباد
[ ليبلوكم في ما آتاكم ] أى ليختبر شكركم على ما أعطاكم، قال ابن الجوزي : أى ليختبركم فيظهر منكم ما يكون به الثواب والعقاب
[ إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ] أى إن ربك سريع العقاب لمن عصاه، وغفور رحيم لمن أطاعه، قال في التسهيل : جمع بين الخوف والرجاء وسرعة العقاب، إما فى الدنيا بتعجيل الأخذ، أو في الآخرة لأن كل ما هو آت قريب.
البلاغة :
١ - [ ولا تتبعوا السبل ] السبل استعارة عن البدع والضلالات والمذاهب المنحرفة.
٢ - [ لا نكلف نفسا ] التنكير لإفادة العموم والشمول.
٣ - [ وبعهد الله ] اإضافة للتشريف والتعظيم.
٤ - [ يصدفون عن آياتنا ] وضع الظاهر مكان الضمير [ عنها ] لتسجيل شناعة وقباحة طغيانهم.
٥ - [ قل انتظروا ] الأمر للتهديد والوعيد.
٦ - [ لا ينفع نفسا إيمانها.. ] الآية، اشتمل هذا الكلام على النوع المعروف من علم البيان باللف وأصل الكلام : يوم يأتى بعض آيات ربك، لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة قبل (إيمانها بعد) ولا نفسا لم تكسب في إبمانها (خيرا قبل ) ما تكسبه من (الخير بعد) إلا أنه لف الكلامين، فجعلهما كلاما واحدا، بلاغة واختصارا وإعجازا، أفاده صاحب الانتصاف.
٧ - بين [ ظهر ] و[ بطن ] طباق وبين [ الحسنة ] و[ السيئة ] طباق كذلك وهو من المحسنات البديعية.
٨ - [ ولا تزر وازرة وزر أخرى ] قال الشريف الرضي : ليس هناك على الحقيقة أحمال على الظهور، وإنما هي أثقال الآثام والذنوب، فهو تمثيل بطريق الاستعارة اللطيفة.
فائدة :
وحد تعالى [ سبيله ] لأن الحق واحد وجمع [ السبل ] لأن طرق الضلالة كثيرة ومتشعبة.
تنبيه :
قال الحافظ ابن كثير : كثيرا ما يقرن تبارك وتعالى في القرآن بين هاتين الصفتين [ إن ربك سريع العقاب وأنه لغفور رحيم ] كقوله تعالى [ نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابى هو العذاب الأليم ] إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على الترغيب والترهيب، فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة، وأوصاف الجنة، والترغيب فيما لديه، وتارة يدعوهم إليه بالرهبة، وذكر النار وأنكالها وعذابها، والقيامة وأهوالها، وتارة بهما، لينجع فى كل بحسبه.