سورة الأعراف
مكية وآياتها ست ومائتان
بين يدي السورة
سورة الأعراف من أطول السور المكية، وهي أول سورة عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء، ومهمتها كمهمة السور المكية، تقرير (أصول الدعوة) الإسلامية من توحيد الله جل وعلا، وتقرير البعث والجزاء، وتقرير الوحي والرسالة. -، فعرضت السورة الكريمة في بدء آياتها للقرآن العظيم " معجزة محمد " الخالدة، وقررت أن هذا القرآن نعمة من الرحمن، على الإنسانية جمعاء، فعليهم أن يستمسكوا بتوجيهاته وإرشاداته، ليفوزوا بسعادة الدارين.
* ولفتت الأنظار إلى نعمة خلقهم من أب واحد، وإلى تكريم الله لهذا النوع الإنساني، ممثلا في أب البشر آدم عليه السلام، الذي أمر الله الملائكة بالسجود له، ثم حذرت من كيد (الشيطان ) ذلك العدو المتربص، الذي قعد على طريق الناس، ليصدهم عن الهدى ويبعدهم عن خالقهم.
* وقد ذكرتعالى قصة (آدم ) مع إبليس وخروجه من الجنة، وهبوطه إلى الأرض، كنموذج للصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، وبيان لكيد إبليس لآدم وذريته، ولهذا وجه الله إلى أبناء آدم - بعد أن بين لهم عداوة إبليس لأبيهم - أربعة نداءات متتالية، بوصف البنوة لآدم [ يا بني آدم ] وهو نداء خاص بهذه السورة، يحذرهم بها من عدوهم، الذي نشأ على عداوتهم من قديم الزمن، حين وسوس لأبيهم آدم، حتى أوقعه في الزلة والمخالفة لأمر الله [ يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما.. ]. ، كما تعرضت السورة الكريمة لمشهد من المشاهد الواقعة يوم القيامة، مشهد الفرق الثلاثة وما يدور بينهم من محاورة ومناظرة : فرقة المؤمنين (أصحاب الجنة) وفرقة الكافرين (أصحاب النار) وفرقة ثالثة لم يتحدث عنها القرآن إلا في هذه السورة، وهي الفرقة التي سميت ب (أصحاب الأعراف ) وسميت باسمها السورة (سورة الأعراف ) مشهد سوف يشهده العالم يوم البعث والجزاء، على الحقيقة دون تمثيل ولا تخييل، تبين ما يكون فيه من شماتة أهل الحق (أصحاب الجنة) بالمبطلين (أصحاب النار)، وينطلق صوت علوي يسجل عليهم اللعنة والطرد والحرمان، وقد ضرب بين الفريقين بحجاب، ووقف عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم، يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه ونضرتها، ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وقترتها.
* وتناولت السورة قصص الأنبياء بإسهاب (نوح، هود، صالح، لوط، شعيب، موسى " وقد ابتدأت بشيخ الأنبياء " نوح " عليه السلام، وما لاقاه من قومه من جحود وعناد، وتكذيب وإعراض، وقد ذكرت بالتفصيل قصة الكليم موسى عليه السلام مع فرعون الطاغية، وتحدثت عما نال بني إسرائيل من بلاء وشدة، ثم من أمن ورخاء، وكيف لما بدلوا نعمة الله، وخالفوا أمره، عاقبهم الله تعالى بالمسخ إلى قردة وخنازير.
* وتناولت السورة كذلك المثل المخزي لعلماء السوء، وصورتهم بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال ان يتصوره، صورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث، ولا ينفك عن التمرغ في الطين والأوحال [ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ] وتلك لعمر الحق اقبح صورة مزرية، لمن رزقه الله العلم النافع فاستعمله لجمع الحطام الفاني، وكان العلم خزيا ووبالا عليه، لأنه لم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان وانسلخ من النعمة، وأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.


الصفحة التالية
Icon