* وقد ختمت السورة الكريمة بإثبات التوحيد، والتهكم بمن عبدوا ما لا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع، من أحجار وأصنام اتخذوها شركاء مع الله، وهو جل وعلا وحده الذي خلقهم وصورهم، ويعلم متقلبهم ومثواهم، وهكذا ختمت السورة الكريمة بالتوحيد كما بدأت بالتوحيد، فكانت الدعوة إلى الإيمان بوحدانية الرب المعبود في البدء والختام.
التسمية :
سميت هذه السورة بسورة الأعراف لورود ذكر اسم (الأعراف ) فيها، وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما، روى ابن جرير عن حذيفة انه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة، وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار، فوقفوا هنالك على السور، حتى يقضي الله فيهم بحكمه العادل. التفسيرسورة الأعراف
قال الله تعالى :[ المص كتاب أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه.. إلى.. ويحسبون أنهم مهتدون ] من آية ( ١ ) إلى نهاية آية ( ٣٠).
اللغة :
[ حرج ] ضيق يقال : حرج المكان أو الصدر إذا ضاق
[ بياتا ] قال الراغب : البيات والتبييت : قصد العدو ليلا
[ قائلون ] من القيلولة وهو النوم وسط النهار، والقائلة : الظهيرة
[ مذءوما ] مذموما يقال ذأمه أى ذمه وحقره
[ مدحورا ] مطرودا يقال دحره أى طرده وأبعده
[ سوآتهما ] السوأة : العورة سميت بذلك لأن الإنسان يسوءه ظهورها
[ طفقا ] شرعا وأخذا يقال : طفق يطفق إذا ابتدأ وأخذ
[ يخصفان ] يرقعان ويلزقان
[ ريشا ] لباسا تتجملون به، وأصل الريش : المال والجمال ومنه ريش الطير لأنه زينة له وجمال
[ قبيله ] جنوده، وأصل القبيل : الجماعة سواء كانوا من أصل أو أصول شتى
[ فاحشة ] الفاحشة هي الشيء الذي تناهى قبحه، والمراد بها هنا الطواف حول البيت (عراة) وكل أمر قبيح يسمى فاحشة، والفحشاء ما اشتد قبحه من الذنوب كالفاحشة.
التفسير :
[ المص ] تقدم في أول سورة البقرة الكلام عن الحروف المقطعة وأن الحكمة في ذكرها بيان " إعجاز القرآن " وذلك للتنبيه والإشارة إلى أنه مركب من أمثال هذه الحروف، ومع ذلك فقد عجز بلغاؤهم وفصحاؤهم وعباقرتهم عن الإتيان بمثله، وروي عن ابن عباس ان معناه : أنا الله أعلم وأفصل، وقال أبو العالية : الألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد، والصاد مفتاح اسمه صادق
[ كتاب أنزل إليك ] أى هذا كتاب أنزله الله إليك يا محمد وهو القرآن
[ فلا يكن في صدرك حرج منه ] أى لا يضق صدرك من تبليغه، خوفا من تكذيب قومك لك
[ لتنذر به وذكرى للمؤمنين ] أى لتنذر بالقرآن من يخاف الرحمن، ولتنذر وتعظ به المؤمنين لأنهم المنتفعون به
[ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ] أى اتبعوا أيها الناس القرآن، الذي فيه الهدى والنور والبيان، المنزل إليكم من ربكم
[ ولا تتبعوا من دونه أولياء ] أى لا تتخذوا أولياء من دون الرحمن، كالأوثان والرهبان والكهان، تولونهم أموركم وتطيعونهم فيما يشرعون لكم
[ قليلا ما تذكرون ] أى تتذكرون تذكرا قليلا، قال الخازن : أى ما تتعظون إلا قليلا
[ وكم من قرية أهلكناها ] أى وكثير من القرى أهلكناها، والمراد بالقرية أهلها
[ فجاءها بأسنا بياتا ] أى جاءها عذابنا ليلا
[ أو هم قائلون ] أى جاءهم العذاب في وقت القيلولة، وهي النوم في وسط النهار، قال أبو حيان : وخص مجيء البأس بهذين الوقتين، لأنهما وقتان للسكون والدعة والاستراحة، فمجيء العذاب فيهما أشق وأفظع، لأنه يكون على غفلة من المهلكين
[ فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا ] أى ما كان دعاؤهم واستغاثتهم حين شاهدوا العذاب ورأوا أماراته
[ إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين ] أى إلا اعترافهم بظلمهم، تحسرا وندامة، وهيهات ان ينفع الندم