[ فلنسألن الذين أرسل إليهم ] أى لنسألن الأمم قاطبة : هل بلغكم الرسل وماذا أجبتم ؟ والمقصود من هذا السؤال التقريع، والتوبيخ للكفار
[ ولنسألن المرسلين ] أى ولنسألن الرسل أيضا هل بلغوا الرسالة وأدوا الامانة ؟ قال في البحر : وسؤال الأمم تقرير وتوبيخ يعقب الكفار والعصاة نكالا وعذابا، وسؤال الرسل تأنيس يعقب الأنبياء كرامة وثوابا
[ فلنقصن عليهم بعلم ] أى فلنخبرنهم بما فعلوا عن علم منا، قال ابن عباس : يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون
[ وما كنا غائبين ] أى ما كنا غائبين عنهم حتى يخفى علينا شيء من أحوالهم، قال ابن كثير : يخبر تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحقير، لأنه تعالى الشهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور
[ والوزن يومئذ الحق ] أى والوزن للأعمال يوم القيامة كائن بالعدل، ولا يظلم ربك أحدا
[ فمن ثقلت موازينه ] أى فمن رجحت موازين أعماله بالإيمان وكثرة الحسنات
[ فأولئك هم المفلحون ] أى الناجون غدا من العذاب، الفائزون بجزيل الثواب
[ ومن خفت موازينه ] أى ومن خفت موازين أعماله بسبب الكفر واجتراح السيئات
[ فأولئك الذين خسروا أنفسهم ] أى خسروا أنفسهم وسعادتهم
[ بما كانوا بآياتنا يظلمون ] أى بسبب كفرهم وجحودهم بآيات الله، قال ابن كثير : والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل : الأعمال وإن كانت إعراضا، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما، يروى هذا عن ابن عباس، وقيل : يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة، وقيل : يوزن صاحب العمل كما في الحديث (يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة) والكل صحيح فتارة توزن الأعمال، وتارة محالها، وتارة يوزن فاعلها والله أعلم أقول : لا غرابة في وزن الأعمال، ووزن الحسنات والسيئات بالذات، فإذا كان العلم الحديث قد كشف لنا عن موازين للحر، والبرد، واتجاه الرياح، والأمطار، أفيعجز القادر على كل شيء، عن وضع (موازين ) لأعمال البشر ؟
[ ولقد مكناكم في الأرض ] أى جعلنا لكم أيها الناس في الأرض مكانا وقرارا، قال البيضاوي : أى مكناكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها
[ وجعلنا لكم فيها معايش ] أى ما تعيشون به وتحيون، من المطاعم والمشارب وسائر ما تكون به الحياة
[ قليلا ما تشكرون ] أى ومع هذا الفضل والإنعام، قليل منكم من يشكر ربه كقوله [ وقليل من عبادي الشكور ]
[ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ] أي خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور، ثم صورناه أبدع تصوير وأحسن تقويم، وإنما ذكر بلفظ الجمع [ صورناكم ] تعظيما له لأنه أبو البشر
[ ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ] أى ثم أمرنا الملائكة بالسجود لآدم تكريما له ولذريته
[ فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ] أى سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس امتنع من السجود تكبرا وعنادا، والاستثناء منقطع لأنه استثناء من غير الجنس، وقد تقدم قول الحسن البصري : لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين
[ قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ] أى قال تعالى لإبليس : أى شىء منعك أن تدع السجود لآدم ؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ
[ قال أنا خير منه ] أي قال إبليس اللعين أنا أفضل من آدم وأشرف منه، فكيف يسجد الفاضل للمفضول ؟ ثم ذكر اللعين العلة في الامتناع فقال


الصفحة التالية
Icon