[ خلقتنى من نار وخلقته من طين ] أى أنا أشرف منه لشرف عنصري على عنصره، لأنني مخلوق من نار، والنار أشرف من الطين ؟ ! ولم ينظر المسكين لأمر من أمره بالسجود، وهو الله تعالى، قال ابن كثير : نظر اللعين إلى أصل العنصر، ولم ينظر إلى التشريف والتعظيم، وهو أن الله خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وقاس قياسا فاسدا، فأخطأ - قبحه الله - في قياسه في دعواه أن النار أشرف من الطين، فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم، والنار من شأنها الإحراق والطيش، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح، والنار محل العذاب، ولهذا خان إبليس عنصره فأورثه الهلاك والشقاء والدمار، قال ابن سيرين : أول من قاس إبليس فأخطأ، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس
[ قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها ] أى اهبط من الجنة فما يصح لك ولا يستقيم، ولا ينبغي أن تستكبر عن طاعتى وأمري، وتسكن دار قدسي
[ فاخرج إنك من الصاغرين ] أى الذليلين الحقيرين، قال الزمخشري : وذلك أنه لما أظهر الاستكبار، ألبسه الله الذل والصغار، فمن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه
[ قال أنظرني إلى يوم يبعثون ] استدرك اللعين قطلب من الله الإمهال إلى يوم البعث، لينجو من الموت، لأن يوم البعث لا موت بعده، فأجابه تعالى بقوله
[ قال إنك من المنظرين ] قال ابن عباس : أنظره تعالى إلى (النفخة الأولى) حيث يموت الخلق كلهم، وكان طلب الإنظار إلى (النفخة الثانية) حيث يقوم الناس لرب العالمين، فأبى الله ذلك عليه ويؤيده الآية الأخرى [ قال فإنك من المنظربن إلى يوم الوقت المعلوم ]
[ قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ] أى فبسبب إغوائك وإضلالك لي، لأقعدن لآدم وذريته على طريق الحق، وسبيل النجاة الموصل للجنة، كما يقعد القطاع للسابلة
[ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ] أى آتي عبادك من كل جهة من الجهات الأربع لأصدنهم عن دينك، قال الطبري : معناه لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق، وأحسن لهم الباطل، قال ابن عباس : ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم، لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى
[ ثم لا تجد أكثرهم شاكرين ] أى لا تجدهم مؤمنين مطيعين، شاكرين لنعمك
[ قال اخرج منها مذءوما مدحورا ] أى اخرج من ملكوت السماء، مذموما معيبا، مطرودا من رحمتي
[ لمن تبعك منهم لأملان جهنم منكم أجمعبن ] اللام موطئة للقسم أى لمن أطاعك من الإنس والجن، لأملان جهنم من الأتباع الغاوين أجمعين، وهو وعيد بالعذاب لكل من انقاد للشيطان، وترك أمر الرحمن
[ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ] أى وقلنا يا آدم اسكن مع زوجك حواء الجنة، بعد أن أهبط منها إبليس وأخرج وطرد
[ فكلا من حيث شئتما ] أى كلا من ثمارها من أى مكان شئتما
[ ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ] أباح لهما الأكل من جميع ثمارها، إلا شجرة واحدة عينها لهما، ونهاهما عن الأكل منها ابتلاء وامتحانا، فعند ذلك حسدهما الشيطان، وسعى في الوسوسة والمكر والخديعة
[ فوسوس لهما الشيطان ] أى ألقى لهما بصوت خفي، لإغرائهما بالأكل من الشجرة
[ ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ] أى ليظهر لهما ما كان مستورا من العورات التي يغبح كشفها
[ وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ] وهذا توضيح لوسوسة اللعين، أى قال في وسوسته لهما : ما نهاكما ربكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا كراهية ان تكونا ملكين، أو تصبحا من المخلدين في الجنة
[ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ] أى حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله


الصفحة التالية
Icon