[ قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ] أى خسروا أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا، بالنفيس الباقي من الآخرة، وبطل عنهم ما كانوا يزعمونه من شفاعة الآلهة والأصنام، ثم ذكر تعالى دلائل القدرة والوحدانية فقال سبحانه
[ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ] أى أن معبودكم وخالقكم الذي تعبدونه هو المنفرد بقدرة الإيجاد، الذي خلق السموات والأرض، في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا، قال القرطبي : لو أراد لخلقها في لحظة، ولكنه أراد أن يعلم العباد التثبت في الأمور
[ ثم استوى على العرش ] أى استواء يليق بجلاله من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، كما هو مذهب السلف، وكما قال الإمام مالك رحمه الله :(الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وقال الإمام أحمد رحمه الله : أخبار الصفات تمر كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل، فلا يقال : كيف ؟ ولم ؟ نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء، وكما شاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصف، أو يحدها حاد، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل )، وقال القرطبي : لم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته
[ يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ] أى يغطى الليل على النهار فيذهب بضوئه، ويطلبه سريعا حتى يدركه، والتعبير جاء في روعة الإبداع الفنى، كأن الليل والنهار فارسان يتسابقان، كل واحد منهما يريد سبق الآخر، وهو تعبير مدهش عن تعاقب الليل والنهار، بطريق التمثيل الرابع
[ والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ] أى الجميع تحت قهره ومشيئته وتسخيره
[ ألا له الخلق والأمر ] أى له الملك والتصرف التام في الكائنات
[ تبارك الله رب العالمين ] أى تعظم وتمجد الخالق المبدع رب العالمين
[ ادعوا ربكم تضرعا وخفية ] أى أدعو الله تذللا وسرا، بخشوع وخضوع
[ إنه لا يحب المعتدبن ] أى لا يحب المعتدين في الدعاء، بالتشدق ورفع الصوت، وفي الحديث " إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا "
[ ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها ] أي لا تفسدوا في الأرض بالعدوان والمعاصي، بعد أن أصلحها الله ببعثه الأنبياء والمرسلين
[ وادعوه خوفا وطمعا ] أى ادعوا ربكم وتضرعوا إليه، خوفا من عذابه، وطمعا في رحمته
[ إن رحمة الله قريب من المحسنين ] أى رحمته تعالى قريبة من المطيعين، الذين يمتثلون أوامره ويتركون زواجره
[ وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته ] أى يرسل الرياح مبشرة بالمطر، ومعنى [ بين يدي رحمته ] أى أمام نعمته وهو المطر الذي هو من أجل النعم، وأحسنها أثرا على الإنسان
[ حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ] أى حتى إذا حملت الرياح سحابا مثقلا بالماء
[ سقناه لبلد ميت ] أى سقنا السحاب إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها
[ فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات ] أى أنزلنا في ذلك البلد الميت الماء العذب الفرات، فأخرجنا بذلك الماء من كل أنواع الثمرات
[ كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ] أى مثل هذا الإخراج نخرج الموتى من قبورهم، لعلكم تعتبرون وتؤمنون، قال ابن كثير : وهذا المعنى كثير في القرآن، يضرب الله المثل ليوم القيامة، بإحياء الأرض بعد موتها ولهذا قال :[ لعلكم تذكرون )
[ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ] أى الأرض الكريمة التربة، يخرج النبات فيها وافيا حسنا، غزير النفع بمشيئة الله وتيسيره، وهذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها