[ والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ] أى والأرض إذا كانت خبيثة التربة، كالحرة أو السبخة ((الحرة : الأرض ذات الحجارة السود، والسبخة : الأرض ذات الملح)) لا يخرج النبات فيها إلا بعسر ومشقة، ويكون قليلا لا خير فيه، وهذا مثل للكافر الذي لا ينتفع بالموعظة، قال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالمؤمن طيب وعمله طيب، كالأرض الطيبة ثمرها طيب، والكافر خبيث، وعمله خبيث، كالأرض السبخة المالحة لا ينتفع بها )
[ كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون ] أى كما ضربنا هذا المثل، كذلك نبين وجوه الحجج ونكررها، آية بعد آية، وحجة بعد حجة، لقوم يشكرون الله على نعمه، وإنما خص الشاكرين بالذكر، لأنهم المنتفعون بسماع القرآن، قال الألوسي : أى مثل هذا التصريف البديع، نردد الآيات الدالة على القدرة الباهرة، ونكررها لقوم يشكرون نعم الله تعالى، وشكرها بالتفكير والاعتبار بها
[ لقد أرسلنا نوحا إلى قومه ] اللام جواب قسم محذوف، أى والله لقد أرسلنا نوحا، ونوح شيخ الأنبياء، لأنه أطولهم عمرا، وهو أول نبي بعثه الله بعد إدريس، ولم يلق نبى من الأذى مثل نوح، وهذه أول قصص الأنبياء في هذه السورة الكريمة، بعد قصة خلق آدم
[ فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ] أى وحدوا الله ولا تشركوا به، فما لكم إله مستحق للعبادة غيره
[ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ] أى إن أشركتم به ولم تؤمنوا، فأنا أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، هو يوم القيامة
[ قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ] أى قال الأشراف والسادة من قومه : إنا لنراك يا نوح في ذهاب عن طريق الحق والصواب، واضح جلي، قال ابو حيان : ولم يجبه من قومه إلا أشرافهم وسادتهم، وهم الذين يتعاصون على الرسل، لإنغماس عقولهم بالدنيا وطلب الرياسه )، وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة
[ قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ] (( لم يأت التركيب : لست في ضلال مبين ؟ بل جاء في غاية الحسن ﴿ليس بي ضلالة﴾ لنفى أن يلتبس أو يختلط به ضلالة ما، وهذا أبلغ من الانتفاء من الضلال إذ لم يتعلق به ولا ضلالة واحدة، فهو نفى للضلال بالكلية. أفاده صاحب البحر )) أى ما أنا بضال، ولكن أنا مرسل إليكم من عند ربكم المالك لأموركم، الناظر لكم بالمصلحة
[ أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ] أي أنا أبلغكم ما أرسلني الله به إليكم، وأقصد صلاحكم وخيركم، وأعلم من الأمور الغيبية أشياء، لا علم لكم بها أنتم، قال ابن كثير : وهذا شأن الرسول، أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما، لا يدركه أحد من خلق الله في هذه الصفات
[ أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم ] ؟ أى لا تعجبوا من هذا، فإن هذا ليس بعجيب، أن يوحي الله إلى رجل منكم من البشر، رحمة بكم، ولطفا واحسانا إليكم
[ لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون ] أى ليخوفكم هذا الرسول من العذاب إن لم تومنوا، ولتتقوا ربكم وتنالكم الرحمة بتقواه
[ فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك ] أى كذبوا نوحا مع طول مدة اقامته فيهم، فأنجاه الله والمؤمنين معه في السفينة
[ وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ] أى أهلكنا المكذبين لرسولنا نوح بالغرق
[ أنهم كانوا قوما عمين ] أى عميت قلوبهم عن الحق، فهم لا يبصرونه ولا يهتدون له، قال ابن عباس : عميت قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد
[ وإلى عاد أخاهم هودا ] أي وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هودا، وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن
[ فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ] أى قال لهم رسولهم : وحدوا الله، فليس لكم إله غيره
[ أفلا تتقون ] أى أفلا تخافون عذابه ؟