رابعا : قوله :[ واركعوا مع الراكعين ] هو من باب تسمية الكل باسم الجزء أى صلوا مع المصلين، اطلق الركوع وأراد به الصلاة ففيه مجاز مرسل.
خامسا :[ وإياي فارهبون ] و[ إياي فاتقون ] تقديم الضمير يفيد الاختصاص.
فائدة :
قال بعض العارفين : عبيد النعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم، حتى يعرفوا نعمة المنعم فقال :[ اذكروا نعمتي ] وأما أمة محمد (ص) فقد ذكرهم بالمنعم فقال :[ فاذكروني أذكركم ] ليتعرفوا من المنعم على النعمة، وشتان بين الأمرين!!.
قال الله تعالى :[ أتأمرون الناس بالبر.. إلى.. ولا هم ينصرون ] من آية (٤٤) إلى نهاية آية (٤٨).
اللغة :
[ بالبر ] البر : عمل الخير والمعروف، ومنه البر والبرية للسعة، وهو اسم جامع لأعمال الخير، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما وفي الحديث " البر لا يبلى والذنب لا ينسى "
[ وتنسون ] : تتركون والنسيان يأتي بمعنى الترك كقوله تعالى [ نسو الله فنسيهم ] وهو المراد هنا، ويأتي بمعنى ذهاب الشيء من الذاكرة كقوله :[ فنسي ولم نجد له عزما ]
[ تتلون ] : تقرءون وتدرسون
[ الخاشعين ] الخاشع : المتواضع وأصله من الاستكانة والذل، قال الزجاج، الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه، وخشعت الأصوات : سكنت
[ يظنون ] الظن هنا بمعنى اليقين لا الشك، وهو من الأضداد، قال أبو عبيدة : العرب تقول لليقين ظن، وللشك ظن وقد كثر استعمال الظن بمعنى اليقين ومنه [ إنى ظننت أنى ملاق حسابيه ] [ فظنوا أنهم مواقعوها ]، أي أيقنوا وتحققوا من دخول الجحيم.
[ شفاعة ] الشفاعة مأخوذة من الشفع ضد الوتر، وهي ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك، ولهذا سميت شفاعة، فهي إذا إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع
[ عدل ] بفتح العين فداء، وبكسرها معناه : المثل، يقال : عدل وعديل للذي يماثلك.
المناسبة :
لا تزال الآيات تتحدث عن بني إسرائيل، وفي هذه الآيات ذم وتوبيخ لهم على سوء صنيعهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون الناس إلى الهدى والرشاد ولا يتبعونه.
سبب النزول :
نزلت هذه الآية في بعض علماء اليهود، كانوا يقولون لأقربائهم الذين أسلموا : اثبتوا على دين محمد فإنه حق، فكانوا يأمرون الناس بالإيمان ولا يفعلونه.
التفسير :
يخاطب الله أحبار اليهود فيقول لهم على سبيل التقريع والتوبيخ [ أتأمرون الناس بالبر ] أي أتدعون الناس إلى الخير، وإلى الإيمان بمحمد (ص)
[ وتنسون أنفسكم ] أي تتركونها فلا تؤمنون ولا تفعلون الخير
[ وأنتم تتلون الكتاب ] أي حال كونكم تقرءون التوراة، وفيها صفة ونعت محمد عليه الصلاة والسلام
[ أفلا تعقلون ] أي أفلا تفطنون وتفقهون أن ذلك قبيح ؟ فترجعون عنه ؟! ثم بين لهم تعالى طريق التغلب على الأهواء والشهوات، والتخلص من حب الرياسة وسلطان المال فقال :
[ واستعينوا ] أي اطلبوا المعونة على أموركم كلها
[ بالصبر والصلاة ] أي بتحمل ما يشق على النفس من تكاليف شرعية، وبالصلاة التى هي عماد الدين
[ وإنها ] أي الصلاة
[ لكبيرة ] أي شاقة وثقيلة
[ إلا على الخاشعين ] أي المتواضعين المستكينين، الخاضعين لأمر الله، الذين صفت نفوسهم لله
[ الذين يظنون ] أي يعتقدون اعتقادا جازما لا يخالطه شك
[ أنهم ملاقوا ربهم ] أي سيلقون ربهم يوم البعث فيحاسبهم على أعمالهم
[ وأنهم إليه راجعون ] أي معادهم إليه يوم الدين !! ثم ذكرهم تعالى بنعمه وآلائه العديدة مرة أخرى فقال :
[ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ] بالشكر عليها بطاعتي
[ وأني فضلتكم ] أي فضلت آباءكم
[ على العالمين ] أي عالمي زمانهم، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وجعلهم سادة وملوكاً، وتفضيل الآباء شرف للأبناء
[ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ] أي خافوا ذلك اليوم الرهيب، الذي لا تقضي نفس عن أخرى شيئا من الحقوق


الصفحة التالية
Icon