[ قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون ] أى أجابوهم بالأسلوب الحكيم بالإيمان برسالته، قال أبو حيان : وعدولهم عن قولهم " هو مرسل " إلى قولهم [ إنا بما أرسل به مؤمنون ] في غاية الحسن، إذ أمر رسالته معلوم، واضح مسلم، لا يدخله ريب، لما أتى به من هذا المعجز الخارق العظيم، فلا يحتاج أن يسأل عن رسالته
[ قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ] أى قال المستكبرون : نحن كافرون بما صدقتم به، من نبوة صالح، وإنما لم يقولوا (إنا بما أرسل به كافرون ) إظهارا لمخالفتهم إياهم وردا لمقالتهم
[ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ] أى نحروا الناقة، واستكبروا عن إمتثال أمر الله
[ وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ] أى جئنا يا صالح بما تعدنا من العذاب الذي تخوفنا به، إن كنت حقا رسولا! ! قالوا ذلك استهزاء به وتعجيزا
[ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ] أخذتهم الزلزلة الشديدة، فصاروا في منازلهم هامدين موتى، لا حراك بهم، قال في البحر : أخذتهم صيحة من السماء، فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض، فقطعت قلوبهم وهلكوا
[ فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ] أى أدبر عنهم صالح بعد هلاكهم، ومشاهدة ما جرى عليهم، وقال على سبيل التفجع والتحسر عليهم : لقد بلغتكم الرسالة وحذرتكم عذاب الله، وبذلت وسعي في نصيحتكم، ولكن شأنكم الاستمرار على بغض الناصحين وعداوتهم، قال الزمخشري :[ ولكن لا تحبون الناصحين ] حكاية حال ماضية كما يقول الرجل لصاحبه وهو ميت - وكان قد نصحه حيا فلم يسمع منه - : يا أخي كم نصحتك ؟ وكم قلت لك فلم تقبل مني ؟
[ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ] أى واذكر حين قال لوط لقومه على سبيل الإنكار والتوبيخ : أتفعلون تلك الفعلة الشنيعة المتناهية في القبح، التى ما عملها أحد قبلكم في زمن من الازمان ؟ والفاحشة هي إتيان الذكور في الأدبار، أنكر عليهم أولا فعلها، ثم وبخهم بأنهم أول من فعلها. قال أبو حيان : ولما كان هذا الفعل معهودا قبحه، ومركوزا في العقول فحشه أتى به معرفا بالألف واللام [ الفاحشة ] بخلاف الزنى، فإنه قال فيه [ إنه كان فاحشة ] فأتى به منكرا، والجملة المنفية [ ما سبقكم ] بدل على أنهم أول من فعل هذه الفعلة القبيحة، وأنهم مبتكروها، والمبالغة في [ من أحد ] حيث زيدت من لتأكيد نفي. الجنس، وفي الإتيان بعموم [ العالمين ] بلفظ الجمع، قال عمرو ابن دينار : ما رؤي ذكر على ذكر قبل قوم لوط
[ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ] هذا بيان للفاحشة وهو توبيخ آخر، اشنع مما سبق لتأكيده بإن وباللام، أى إنكم أيها القوم لتأتون الرجال في أدبارهم شهوة منكم لذلك الفعل الخبيث المكروه، دون ما أحله الله لكم من النساء، ثم أضرب عن الإنكار عليهم، إلى الإخبار عنهم بالإيغال في ارتكاب القبائح واتباع الشهوات، فقال
[ بل أنتم قوم مسرفون ] أى لا عذر لكم، بل أنتم عادتكم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء، قال ابو السعود : وفي التقييد بقوله [ شهوة ] وصف لهم بالبهيمية الصرفة، وتنبيه على أن العاقل، ينبغى أن يكون الداعي له إلى المباشرة (طلب الولد) وبقاء النسل، لا قضاء الشهوة