لما ذكر تعالى قصص الأنبياء (نوح، هود، صالح، لوط، شعيب ) وما حل بأقوامهم من العذاب والنكال، حين لم تجد فيهم الموعظة، ذكر تعالى هنا سنته الإلهية في الإنتقام ممن كذب أنبياءه، وذلك بالتدرج معهم بالبأساء والضراء، ثم بالنعمة والرخاء، ثم بالبطش بهم إن لم يؤمنوا، ثم عقب ذلك بقصة (موسى) مع الطاغية (فرعون ) وفيها كثير من العبر والعظات.
اللغة :
[ الباسأء ] شدة الفقر
[ الضراء ] الضر والمرض
[ عفوا ] كثروا ونموا
[ بغتة ] فجأة
[ ملأيه ] أشراف قومه
[ أرجه ] أخر
[ صاغرين ] أذلاء
[ تلقف ] تبتلع وتلتقم
[ يأفكون ] الإفك : الكذب
[ أفرغ ] الإفراغ : الصب أى أصببه علينا.
التفسير :
[ وما أرسلنا في قرية من نبي ] في الكلام حذف أى وما أرسلنا في قرية من نبي فكذبه أهلها
[ إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء ] أى عاقبناهم بالبؤس والفقر، والمرض وسوء الحال
[ لعلهم يضرعون ] أى كي يتضرعوا ويخضعوا ويتوبوا من ذنوبهم
[ ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ] أى ثم أبدلناهم بالفقر والمرض، الغنى والصحة
[ حتى عفوا ] أى حتى كثروا ونموا
[ وقالوا قد مس أباءنا الضراء والسراء ] أى أبطرتهم النعمة وأشروا فقالوا كفرانا لها : هذه عادة الدهر، وقد مس أباءنا من المصائب ومن الرخاء مثل ذلك، وليست بعقوبة من الله، فلنبق على ديننا، والغرض أن الله ابتلاهم بالسيئة لينيبوا إليه فما فعلوا، ثم بالحسنة ليشكروا فما فعلوا، فلم يبق إلا أن يأخذهم الله بالعذاب، ولهذا قال تعالى :
[ فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ] أي أخذناهم بالهلاك والعذاب فجأة، من حيث لا يعلمون ولا يدرون
[ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ] أى ولو أن أهل تلك القرى، الذين كذبوا وأهلكوا، آمنوا بالله ورسله، واتقوا الكفر والمعاصي
[ لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ] أى لوسعنا عليهم الخير من كل جانب خيرات السماء، وخير الأرض، فبركات السماء المطر، وبركات الأرض : الثمار، قال السدي : فتحنا عليهم أبواب السماء والأرض بالرزق
[ ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ] أى ولكن كذبوا الرسل، فعاقبناهم بالهلاك بسوء كسبهم
[ أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون ] الهمزة للإنكار أى هل أمن هؤلاء المكذبون، أن يأتيهم عذابنا ليلا وهم نائمون غافلون عنه ؟
[ أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ] ؟ أم هل أمنوا ان يأتيهم عذابنا ونكالنا نهارا جهارا، وهم يلهون ويشتغلون بما لا يفيد ولا ينفع كأنهم يلعبون ؟
[ أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ] أى أفأمنوا استدراجه إياهم بالنعمة، حتى يهلكوا في غفلتهم ؟ فإنه لا يأمن ذلك إلا القوم الذين خسروا إنسانيتهم، فصاروا أخس من البهائم، قال الحسن البصري : المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق خائف وجل، والفاجر يعمل بالمعاصى وهو مطمئن آمن
[ أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها ] أي أولم يتضح ويتبين للذين يخلفون الأرض، بعد هلاك أهلها الذين كانوا يعمرونها قبلهم، والمراد بهم (كفار مكة) ومن حولهم
[ أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ] أى لو أردنا لأهلكناهم بسبب ذنوبهم، كما أهلكنا من قبلهم، قال في البحر : أى قد علمتم ما حل بهم، أفما تحذرون أن يحل بكم ما حل بهم ؟ فذلك ليس بممتنع علينا لو شئنا
[ ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ] أى ونختم على قلوبهم فلا يقبلون موعظة ولا تذكيرا، ولا يسمعون سماع منتفع بهما
[ تلك القرى نقص عليك من أنبائها ] أى تلك القرى المذكورة نقص عليك يا أيها الرسول بعض أخبارها، وما حصل لأهلها، من الخسف والرجفة والرجم بالحجارة، ليعتبر بذلك من يسمع، وما حديث أهول وأفظع
[ ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ] أى جاءتهم بالمعجزات والحجج القاطعات


الصفحة التالية
Icon