[ فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ] أى ما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل، لتكذيبهم لهم قبل مجيئهم بالمعجزات، وبعد مجيئهم بها، فحالهم واحد في العتو والضلال، قال الزمخشري : أى استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل اليهم، إلى أن ماتوا مصرين على الكفر، لا يرعوون مع تكرر المواعظ عليهم وتتابع الآيات
[ كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ] أى مثل ذلك الطبع الشديد المحكم، نطبع على قلوب الكافرين، فلا تكاد تؤثر فيهم تلك النذر والآيات ! ! وفي هذا تحذير للسامعين
[ وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ] أى ما وجدنا لأكثر الناس من وفاء للعهد، بل وجدناهم خارجين عن الطاعة والإمتثال، قال ابن كثير : والعهد الذي أخذه هو ما فطرهم عليه وأخذه عليهم في الاصلاب، أنه ربهم ومليكهم فخالفوه وعبدوا مع الله غيره، بلا دليل ولا حجة من عقل ولا شرع
[ ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا ] أى ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذكرهم (موسى بن عمران ) بالمعجزات الباهرات، والحجج الساطعات
[ إلى فرعون وملئه ] أى أرسلناه إلى فرعون - ملك مصر - الطاغية الجبار، وإلى أشراف قومه
[ قظلموا بها ] أى كفروا وجحدوا بها ظلما وعنادا
[ فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ] أي انظر أيها السامع ما آل إليه أمر الفجرة المفسدين، كيف أغرقناهم عن أخرهم، بمرأى من موسى وقومه ؟ ! وهذا أبلغ في النكال لأعداء الله، وأشفى لقلوب أولياء الله
[ وقال موسى يا فرعون إنى رسول من رب العالمين ] أى إنى رسول إليك من الخالق العظيم، رب كل شيء، وخالقه ومليكه
[ حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ] أى جديربي وحق على أن لا أخبر عن الله إلا بما هو حق وصدق، لما أعلم من جلاله وعظيم شأنه
[ قد جئتكم بآية من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ] أى جئتكم بحجة قاطعة من الله تشهد على صدقي، فخل واترك سبيل بني إسرائيل، حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة التي هى وطن آبائهم (( قال المفسرون : كان سبب سكنى بني إسرائيل بمصر مع أن أباهم كان بالأرض المقدسة، أن الأسباط - أولاد يعقوب - جاءوا مصر إلى أخيهم يوسف فمكثوا وتناسلوا في مصر، فلما ظهر فرعون استعبدهم واستعملهم في الأعمال الشاقة فأحب موسى أن يخلصهم من هذا الأسر، ويذهب بهم إلى الأرض المقدسة وطن ابائهم )) قال ابو حيان : ولما كان فرعون قد ادعى الربوبية فاتحه موسى بقوله [ إني رسول من رب العالمين ] لينبهه على الوصف الذي ادعاه وأنه فيه مبطل لا محق، ولما كان قوله [ حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ] أردفها بما يدل على صحتها وهو قوله [ قد جئتكم ببينة من ربكم ] ولما قرر رسالته، فرع عليها تبليغ الحكم وهو قوله [ فأرسل معي بني إسرائيل ]
[ قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ] أى قال فرعون لموسى : إن كنت جئت بآية من ربك كما تدعي، فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك، قال ذلك على سبيل التعجيز لموسى
[ فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ] أى فإذا بها حية ضخمة طويلة، قال ابن عباس : تحولت إلى حية عظيمة، فاغرة فاها، مسرعة نحو فرعون و[ مبين ] أى ظاهر لا متخيل!
[ ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ] أى أخرجها من جيبه، فإذا هي بيضاء بياضا نورانيا عجيبا، يغلب نورها نور الشمس، قال ابن عباس : كان ليده نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض
[ قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ] أى قال الأشراف منهم - وهم أصحاب مشورته - إن هذا عالم بالسحر ماهر فيه، وقولهم [ عليم ] أى بالغ الغاية في علم السحر، وخدعه وفنونه
[ يريد أن يخرجكم من أرضكم ] أى يخرجكم من أرض مصر بسحره


الصفحة التالية
Icon