[ فماذا تأمرون ] أي بأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره ؟ وبأي شيء تشيرون فيه ؟ قال القرطبي : قال فرعون : فماذا تأمرون ؟ وقيل : هو من قول الملأ أى قالوا لفرعون وحده [ فماذا تأمرون ] كما يخاطب الجبارون والرؤساء : ما ترون في كذا،
[ قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين ] أى أخر أمرهما حتى ترى رأيك فيهما، وأرسل في أنحاء البلاد من يجمع لك السحرة
[ يأتوك بكل ساحر عليم ] أى يأتوك بكل ساحر مثله، ماهر في السحر، وكان رؤساء السحرة بأقصى صعيد مصر
[ وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ] في الكلام محذوف يدل عليه السياق، وهو : أنه بعث إلى السحرة، وطلب أن يجمعوا له، فلما جاءوا فرعون قالوا : إن لنا لأجرا عظيما، إن نحن غلبنا موسى ؟ وهزمناه وأبطلنا سحره ؟
[ قال نعم وإنكم لمن المقربين ] أى قال فرعون : نعم لكم الأجر، وأزيدكم على ذلك، بأن أجعلكم من المقربين أى من أعز خاصتي وأهل مشورتي، قال القرطبي : زادهم على ما طلبوا
[ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ] أى قال السحرة لموسى : اختر إما أن تلقي عصاك، أو نلقى نحن عصينا، قال الزمخشري : تخييرهم إياه أدب حسن، كما يفعل أهل الصناعات، إذا التقوا كالمتناظرين قبل أن يخوضوا في الجدال) هذا ما قاله الزمخشري، والأظهر أنهم قالوا ذلك من باب (الاعتزاز بالنفس ) وتوهم الغلبة، وعدم الاكتراث بأمر موسى كما يقول المعتد بنفسه : أبدأ أو تبدأ ؟
[ قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس ] أى قال لهم موسى : ألقوا ما انتم ملقون، فلما ألقوا العصي والحبال، سحروا أعين الناس، أى خيلوا إليهم ما لا حقيقة له، كما قال تعالى [ يخيل إليهم من سحرهم انها تسعى ]
[ واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ] أى أفزعوهم وأرهبوهم إرهابا شديدا، حيث خيلوها حيات تسعى وجاءوا بسحر عظيم يهابه من رآه، قال ابن اسحاق : صف خمسة عشر ألف ساحر مع كل ساحر حباله وعصيه، وفرعون في مجلسه، مع أشراف مملكته، فكان أول ما اختفوا بسحرهم، بصر (موسى) وبصر (فرعون )، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يديه من العصي والحبال، فإذا هي حيات كأمثال الجبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا
[ واوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ] أى أوحينا إليه بأن الق عصاك فألقاها، فإذا هي تبتلع بسرعة ما يزورونه من الكذب، قال ابن عباس :[ تلقف ما يأفكون ] لا تمر بشيء من حبالهم وخشبهم التي ألقوها إلا التقمته
[ فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ] أى ثبت وظهر الحق لمن شهده وحضره، وبطل إفك السحر وكذبه ومخايله
[ فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ] أى غلب فرعون وقومه في ذلك المجمع العظيم وصاروا ذليلين
[ وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ] أى خروا ساجدين معلنين إيمانهم برب العالمين، لأن الحق بهرهم، قال قتادة : كانوا أول النهار كفارا سحرة، وفي أخره شهداء بررة
[ قال فرعون آمنتم به قبل أن أذن لكم ] أى قال فرعون الجبار للسحرة آمنتم بموسى قبل أن تستأذنوني ؟ والمقصود من كلامه التوبيخ لهم والتهديد
[ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ] أى صنيعكم هذا حيلة احتلتموها انتم وموسى في مصر، قبل أن تخرجوا إلى الميعاد، لتخرجوا منها القبط، وتسكنوا بني إسرائيل ! ! قال هذا تمويها على الناس، لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان
[ فسوف تعلمون ] أى فسوف تعلمون ما يحل بكم، وهذا وعيد وتهديد ساقه بطريق الإجمال للتهويل، ثم عقبه بالتفصيل فقال