[ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ] أى لأقطعن من كل واحد منكم يده ورجله من خلاف، قال الطبري : ومعنى [ من خلاف ] هو أن يقطع من أحدهم يده اليمنى ورجله اليسرى، أو يقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، فيخالف بين العضوين في القطع
[ ثم لأصلبنكم أجمعين ] أى ثم أصلبكم جميعا تنكيلا لكم ولأمثالكم، والصلب التعليق على الخشب حتى. الموت
[ قالوا إنا إلى ربنا منقلبون ] أى إنا راجعون إلى الله بالموت لا محالة، فلا نخاف مما تتوعدنا به، ولا نبالي بالموت، وحبذا الموت في سبيل الله ! ؟
[ وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ] أي ما تكره منا ولا تعيب علينا، إلا إيماننا بالله وآياته ! ! كقوله سبحانه [ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ] قال الزمخشري : أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها، وهو الإيمان
[ ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ] أى افض يا رب علينا صبرا يغمرنا، عند تعذيب فرعون لنا، وتوفنا على ملة الإسلام غير مفتونين
[ وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ] أى قال الأشراف لفرعون : أتترك موسى وجماعته ليفسدوا في الأرض، بالخروج عن دينك وترك عبادة آلهتك ! ! وفي هذا إغراء لفرعون بموسى وقومه، وتحريض له على قتلهم وتعذيبهم
[ قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ] أى قال فرعون مجيبا لهم : سنقتل أبناءهم الذكور، ونستبقي نساءهم للاستخدام، كما كنا نفعل بهم ذلك، وإنا عالون فوقهم بالقهر والسلطان
[ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ] أى قال موسى لقومه تسلية لهم، حين تضجروا مما سمعوا : استعينوا بالله على فرعون وقومه، فيما ينالكم من أذاهم، واصبروا على حكم الله
[ إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده ] أى الأرض كلها لله يعطيها من أراد من عباده، أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر
[ والعاقبة للمتقين ] أى النتيجة المحمودة لمن اتقى الله
[ قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ] أى أوذينا من قبل أن تأتينا بالرسالة، ومن بعد ما جئتنا بها! ! يعنون أن المحنة لم تفارقهم، فهم في العذاب والبلاء، قبل بعثة موسى وبعد بعثته
[ قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ] أى لعل ربكم أن يهلك فرعون وقومه، ويجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم، وينظر كيف تعملون من الإصلاح أو الإفساد، والغرض تحريضهم على طاعة الله ! ! وقد حقق الله رجاء موسى، فأغرق فرعون وقومه، وملك بنى إسرائيل أرض مصر، قال في البحر : سلك موسى طريق الأدب مع الله، وساق الكلام مساق الرجاء.
البلاغة :
١ - [ بدلنا مكان السيئة الحسنة ] بين لفظ (الحسنة) و(السيئة) طباق، وكذلك بين لفظ [ الضراء والسراء ].
٢ - [ لفتحنا عليهم بركات من السماء ] شبه تيسير البركات عليهم بفتح الأبواب في سهولة التناول فهو من (باب الاستعارة) أى وسعنا عليهم الخير من جميع الأطراف.
٣ - [ أفأمن أهل القرى ] تكررت الجملة والغرض منها الإنذار، ويسمى هذا في علم البلاغة الإطناب ومثلها [ أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله ] قال ابو السعود : تكرير للنكير لزيادة التقرير، ومكر الله (استعارة) لاستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب.
٤ - [ وإنكم لمن المقربين ] أكد الجملة بإن واللام لإزالة الشك من نفوس السحرة، ويسمى هذا النوع من أضرب الخبر إنكاريا.
٥ - [ فوقع الحق ] فيه استعارة، استعار الوقع للثبوت والحصول، والله أعلم.
تنبيه :
لما عجز فرعون عن دفع الحجة بالبرهان، عدل إلى البطش والفتك بالسنان، وهكذا حال كل ضال مبتدع، إذا أعيته الحجة مال إلى التهديد والوعيد.


الصفحة التالية
Icon