مذهب أهل السنة قاطبة على ان المؤمنين يرون ربهم في الآخرة وانكرت المعتزلة ذلك، واستدلوا بالآية الكريمة [ لن تراني ] وليس لهم في هذه الآية متمسك، بل هي دليل لأهل السنة والجماعة على (امكان الرؤية) لأنها لو كانت محالا لم يسألها موسى، فإن الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل، ولو كانت (الرؤية) مستحيلة لكان في الجواب زجر وإغلاظ كما قال تعالى لنوح [ فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين ] فهذا المنع من رؤية الله إنما هو في الدنيا، لضعف البنية البشرية عن ذلك، قال مجاهد : ان الله قال لموسى : لن تراني، لأنك لا تطيق ذلك، ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد، فإن استقر واطاق الصبر لهيبتي أمكن أن ترانى أنت، وان لم يطق الجبل فأحرى ألا تطيق أنت فعلى هذا جعل الله الجبل مثالا لموسى، ولم يجعل الرؤية مستحيلة على الإطلاق، وقد صرح بوقوع الرؤية في الآخرة كتاب الله [ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ] فلا ينكرها إلا مبتدع
فائدة :
لما سمع الكليم موسى كلام الله اشتاق إلى رويته، لأن التلذذ بسماع كلام الحبيب، يزيد في الشوق اليه والحنين، وقد أحسن من قال : وأفرح ما يكون الشوق يوما إذا دنت الديار من الديار
لطيفة :
السعادة والشقاوة بيد الله، فموسى بن عمران رباه فرعون فكان مؤمنا، وموسى السامري رباه جبريل وكان كافرا، فلم تنفع تربية جبريل الأمين لموسى السامري، ولم تضر تربية اللعين لموسى الكليم عليه السلام، وقد أنشد بعضهم في هذا المعنى : إذا المرء لم يخلق سعيدا من الأزل فقذ خاب من ربى وخاب المؤمل فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرزعون مرسل
قال الله تعالى :[ ولما رجع موسى إلى قومه.. إلى.. إنا لا نضيع أجر المصلحين ] من آية ( ١٥٠ ) إلى نهاية آية (١٧٠).
المناسبة :
لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، وما أغدق الله عليهم من النعم، وما قابلوها به من الجحود والعصيان، وقد ذكرت الآيات قصة [ أصحاب القرية ] واعتداءهم يوم السبت بالاصطياد فيه، وكيف أن الله تعالى مسخهم قردة! ؟ وفي ذلك عبرة للمعتبرين.
اللغة :
[ أسفا ] الاسف : شدة الحزن أو الغضب يقال هو أسف واسيف
[ ابن أم ] أصلها ابن أمي وهي استعطاف ولين
[ تشمت ] الشماتة : السرور بما يصيب الإنسان من مكروه وفي الحديث فى وأعوذ بك من شماتة الاعداء "
[ الرجفة ] الزلزلة الشديدة
[ هدنا ] تبنا يقال : هاد يهود إذا تاب ورجع فهو هائد، قال الشاعر : إنى امرؤ مما جنيت هائد
[ إصرهم ] التكاليف الشاقة، وأصل الإصر : الثقل الذي يأصر صاحبه عن الحراك
[ الأغلال ] جمع غل وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد
[ عزروه ] وفروه ونصروه
[ أسباطا ] جمع سبط وهو ولد الولد أو ولد البنت، ثم أطلق على كل قبيلة من بنى إسرائيل
[ تأذن ] آذن من الإيذان بمعنى الإعلام
[ يسومهم ] يذيقهم
[ خلف ] بسكون اللام من يخلف غيره بالسوء والشر، وأما بفتح اللام فهو من يخلف غيره بالخير، ومنه قولهم :" جعلك الله خير خلف لخير سلف ".
التفسير :
[ ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ] أى ولما رجع موسى من المناجاة [ غضبان ] مما فعلوه من عبادة العجل [ أسفا ] أى شديد الحزن
[ قال بئسما خلفتموني من بعدي ] أى بئس ما فعلتموه بعد غيبتي، حيث عبدتم العجل
[ أعجلتم أمر ربكم ] أى أعجلتم عن أمر ربكم، وهو انتظار نبيكم موسى حتى يرجع من الطور ؟ والاستفهام للإنكار