[ وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ] أي طرح الألواح لما عراه من شدة الغضب، وفرط الضجر، غضبا لله من عبادة العجل، وأخذ بشعر رأس أخيه هارون يجره إليه، ظنا منه أنه قصر في كفهم عن ذلك، وكان عليه السلام شديد الغضب لله سبحانه، قال ابن عباس : لما عاين قومه وقد عكفوا على العجل، ألقى الألواح فكسرها غضبا لله، وأخذ برأس أخيه يجره إليه )
[ قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ] أى قال هارون يا ابن أمي - وهو نداء استعطاف وترفق - (( قال ابن كثير : وانما قال " ابن أم " ليكون أرق وأنجع عنده والا فهو شقيقه لأبيه وأمه )) إن القوم استذلوني وقهروني، وقاربوا قتلي حين نهيتهم عن ذلك، فأنا لم أقصر في نصحهم
[ فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ] أى لا تسىء إلي حتى يسر الأعداء بي، ويشمتوا بإهانتك إلى، ولا تجعلني في عداد الظالمين، بالمؤاخذة أو النسبة إلى التقصير، قال مجاهد :[ الظالمين ] أى الذين عبدوا العجل
[ قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ] لما تحقق لموسى براءة ساحة هارون عليه السلام من التقصير، طلب عند ذلك المغفرة له ولأخيه، ققال :[ اغفر لي ولأخي ] الآية، قال الزمخشري : استغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه، ولأخيه مما عسى أن يكون فرط منه في حين الخلافة، وطلب ألا يتفرقا عن رحمته، ولا تزال منتظمة لهما في الدنيا والآخرة
[ إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ] أي إن الذين عبدوا العجل - ذكر البقر - واتخذوه إلها سيصيبهم غضب شديد من الرحمن، وينالهم في الدنيا الذل والهوان، قال ابن كثير : أما الغضب الذي نال بني إسرائيل، فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة، حتى قتل بعضهم بعضا، وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلا وصغارا في الحياة الدنيا
[ وكذلك نجزي المفترين ] أى كما جازينا هؤلاء بإحلال الغضب والإذلال، كذلك نجزي كل من افترى الكذب على الله، قال سفيان بن عيينة : كل صاحب بدعة ذليل
[ والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا ] أى عملوا القبائح والمعاصي، ثم تابوا ورجعوا إلى الله من بعد اقترافها، وداموا على إيمانهم وأخلصوا فيه
[ إن ربك من بعدها لغفوز رحيم ] أى إن ربك يا محمد من بعد تلك التوبة، لغفور لذنوبهم رحيم بهم، قال الألوسي : وفي الآية إعلام بأن الذنوب وإن جلت وعظمت، فإن عفو الله بعالى وكرمه أعظم وأجل، وما ألطف قول أبي نواس غفر الله تعالى له : يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأان عفوك أعظم إن كان لايرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم ؟
[ ولما سكت عن موسى الغضب ] أى سكن غضب موسى على أخيه وقومه
[ أخذ الألواح ] أي ألواح التوراة التى كان ألغاها
[ وفي نسختها هدى ورحمة ] أى وفيما نسخ فيها وكتب، هداية للحق ورحمة للخلق بإرشادهم إلى ما فيه سعادة الدارين
[ للذين هم لربهم يرهبون ] أى هذه الرحمة للذين يخافون الله، ويخشون عقابه على معاصيه
[ واختار موسى قومه سبعبن رجلا لميقاتنا ] أى اختار موسى من قومه سبعين رجلا، ممن لم يعبدوا العجل، للوقت الذي وعده ربه، الإتيان فيه للإعتذار عن عبادة العجل
[ فلما أخذتهم الرجفة ] أى فلما رجف بهم الجبل وصعقوا
[ قال ربى لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى ] أى قال موسى على وجه التضرع والإستسلام لأمر الله : لو شئت يا ربى أن تهلكنا قبل ذلك لفعلت، فأنا عبيدك وتحت قهرك وأنت تفعل ما تشاء


الصفحة التالية
Icon