[ أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ] ؟ أى أتهلكنا وسائر بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء السبعون ؟ في قولهم :[ أرنا الله جهرة ] والاستفهام استفهام استعطاف وتذلل، فكأنه يقول : لا تعذبنا يا الله بذنوب غبرنا، قال الطبرى : إن الله أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدا فاختار موسى من قومه سبعين رجلا على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا، فلما أتوا ذلك المكان قالوا : لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فإنك قد كلمته فأرنا ربنا، فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب ماذا أقول لبني إسرائيل ؟ إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ؟ ! لو شثت أهلكتهم من قبل وإياى ٠ أقول : إذا كان هذا قول الأخيار من بني إسرائيل، فكيف حال الأشرار منهم ؟ نعوذ بالله من خبث اليهود
[ إن هي إلا فتنتك ] أى ما هذه الفتنة التي حدثت لهم إلا محنتك وابتلاؤك تمتحن بها عبادك
[ تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ] أى تضل بهذه المحنة من تشاء إضلاله وتهدي من تشاء هدايته
[ أنت ولينا فأغفر لنا وأرحمنا ] أى أنت يا رب متولي أمورنا وناصرنا وحافظنا، فأغفر لنا ما قارفناه من المعاصى، وأرحمنا برحمتك الواسعة الشاملة
[ وأنت خير الغافرين ] أى أنت خير من صفح وستر، تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة
[ وأكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ] هذا من جملة دعاء موسى عليه السلام، أى حقق لنا وأمنحنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
[ إنا هدنا إليك ] أى تبنا ورجعنا إليك من جميع ذنوبنا
[ قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء ] أى قال تعالى : أما عذابي فأصيب به من أشاء من عبادي، وأما رحمتي فقد عمت خلقي كلهم، قال ابو السعود : وفي نسبة الإصابة إلى العذاب بصيغة المضارع ونسبة السعة إلى الرحمة بصيغة الماضي، إيذان بأن الرحمة مقتضى الذات، أاما العذاب فمقتضى معاصى العباد
[ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ] أي سأجعل هذه الرحمة خاصة في الآخرة، بالذين يتقون الكفر والمعاصى، ويعطون زكاة أموالهم، ويصدقون بجميع الكتب والأنبياء
[ الذين يتبعون الرسول النبي الأمى ] أى هؤلاء الذين تنالهم الرحمة، هم الذين يتبعون محمدا (ص)، النبن العربي الأمي، أى الذي لا يقرأ ولا يكتب، قال البيضاوي : وإنما سقاه (رسولا) بالإضافة إلى الله تعالى، و(نبيا) بالإضافة إلى العباد
[ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ] أى الذي يجدون نعته وصفته في التوراة والإنجيل، قال ابن كثير : هذه صفة محمد (ص) في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثته وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم
[ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ] أى لا يأمر إلا بكل شيء مستحسن، ولا ينهى إلا عن كل شىء قبيح
[ ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ] أى يحل لهم ما حرم الله عليهم من الأشياء الطيبة بشؤم ظلمهم، ويحرم عليهم ما يستخبث من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير
[ ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ] أى يخفف عنهم ما كلفوه من التكاليف الشاقة، التى تشبه الأغلال، كقتل النفس في التوبة، وقطع موضع النجاسة من الثوب، والقصاص من القاتل عمدا كان القتل أو خطأ، وشبه ذلك
[ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه ] أى فالذين صدقوا بمحمد وعظموه ووقروه ونصروا دينه
[ واتبعوا النور الذي أنزل معه ] أى واتبعوا قرآنه المنير وشرعه المجيد
[ أولئك هم المفلحون ] أى هم الفائزون بالسعادة السرمدية


الصفحة التالية
Icon