[ فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون ] أى فأرسلنا عليهم عذابا من السماء، بسبب ظلمهم وعدوانهم المستمر سابقا ولاحقا، قال ابو السعود : والمراد بالعذاب " الطاعون " روي أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفا
[ واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ] أى واسأل يا أيها الرسول اليهود عن أخبار أسلافهم، وعن أمر القرية التي كانت بقرب البحر وعلى شاطئه، ماذا حل بهم ؟ لما عصوا أمر الله واصطادوا يوم السبت ؟ ألم يمسخهم الله قردة وخنازير ؟ قال ابن كثير : وهذه القرية هي (أيلة) وهي على شاطىء بحر القلزم
[ إذ يعدون في السبت ] أى يتجاوزون حد الله فيه، وهو اصطيادهم يوم السبت
[ إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ] أى حين كانت الحيتان (الأسماك) تأتيهم يوم السبت - وقد حرم عليهم الصيد فيه - كثيرة ظاهرة على وجه الماء لكثرتها
[ ويوم لا يسبتون لا يأتيهم ] أى وفي غير يوم السبت وهي سائر الايام لا تأتيهم بل تغيب عنهم وتختفي
[ كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ] أى مثل ذلك البلاء العجيب، نختبرهم ونمتحنهم بإظهار السمك لهم على وجه الماء، في اليوم المحرم عليهم صيده، وإخفائها عنهم في اليوم الحلال، بسبب فسقهم وانتهاكهم حرمات الله، قال القرطبي : روي أنها كانت في زمن داود عليه السلام، وأن إبليس أوحى إليهم فقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد ويحتالون في صيدها
[ وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ] قال ابن كثير : يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق : فرقة ارتكبت المحظور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة [ لم تعظون قوها الله مهلكهم ] أى لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله، فلا فائدة في نهيكم إياهم ؟
[ قالوا معذرة إلى ربكم ] أى قال الناهون : إنما نعظهم لنعذر عند الله، بقيامنا بواجب النصح والتذكير
[ ولعلهم يتقون ] أي ينزعون عما هم فيه من الإجرام، قال الطبري : أى لعلهم أن يتقوا الله فينيبوا إلى طاعته، ويتوبوا من معصيتهم إياه وتعديهم الإعتداء في السبت
[ فلما نسوا ما ذكروا به ] أى فلما تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم، وأعرضوا عن قبول النصيحة إعراضا كليا
[ أنجينا الذين ينهون عن السوء ] أى نجينا الناهين عن الفساد في الأرض
[ وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس ] أى وأخذنا الظالمين العصاة بعذاب شديد، وهم الذين ارتكبوا المنكر
[ بما كانوا يفسقون ] أى بسبب فسقهم وعصيانهم لأمر الله
[ فلما عتوا عما نهوا عنه ] أى فلما استعصوا وتكبروا عن ترك ما نهوا عنه
[ قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ] أي مسخناهم إلى قردة وخنازير ؟ والمعنى : أنهم عذبوا أولا بعذاب شديد، فلما لم يرتدعوا وتمادوا في الطغيان مسخوا قردة وخنازير، والحاصل أن أصحاب القرية انقسموا ثلاث فرق : فرقة عصت فحل بها العذاب، وفرقة نهت ووعظت فنجاها الله من العذاب، وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تقارف المعصية وقد سكت عنها القرآن، قال ابن عباسى : ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة أنجوا أم هلكوا ؟ قال عكرمة : فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا، لأنهم كرهوا ما فعله أولئك، فكساني حلة


الصفحة التالية
Icon