١ - [ ولما سكت عن موسى الغضب ] شبه الغضب بإنسان يرعد ويزبد، ويزمجر بصوته آمرا بالانتقام، ثم اختفى هذا الصوت وسكت، ففي الكلام (استعارة لطيفة) ويا له من تصوير لطيف، يستشعر جماله كل ذي طبع سليم وذوق صحيح ! !
٢ - بين لفظ " تضل " و " تهدى " طباق وكذلك بين لفظ (يحى " و " يميت " وهو من المحسنات البديعية.
٣ - [ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ] فيه من المحسنات البديعية ما يسمى بالمقابلة، وهي أن يؤتى بمعنيين أو أكثر، ثم يؤتى بما يقابلها على الترتيب.
٤ - [ ويضع عنهم إصرهم والأغلال ] استعار الإصر والأغلال للأحكام والتكاليف الشاقة، ففيه استعارة مكنية.
٥ - [ أفلا تعقلون ] التفات من الغيبة إلى الخطاب، زيادة في التوبيخ والتأنيب.
فائدة :
الخلف بفتح اللام من يخلف غيره بالخير، والخلف بسكون اللام من يخلف غيره في الشر. كقوله تعالى :[ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ] وهذه الآية [ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ].
قال الله تعالى :[ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة.. إلى.. ويذرهم في طغيانهم يعمهون ] من آية (١٧١ ) إلى نهاية آية (١٨٦ ).
المناسبة :
لما حكى تعالى عن بني إسرائيل عصيانهم وتمردهم على أوامر الله، حكى هنا ما عاقبهم به من اقتلاع جبل الطور ورفعه فوقهم إن لم يعملوا بأحكام التوراة، ثم ذكر تعالى مثلا لعلماء السوء، وهو " بلعم بن باعورا " وضرب له مثلا بالكلب اللاهث، وكفى به تصويرا لنفسية اليهود في تكالبهم على الدنيا وعبادتهم للمال ! !
اللغة :
[ نتقنا ] النتق : الجذب بقوة قال ابو عبيدة : أصل النتق قلع الشيء من موضعه والرمي به
[ ظلة ] الظلة : كل ما أظلك من سقف أو سحابة أو جانب حائط، والجمع ظلل وظلال
[ وظنوا ] علموا أو أيقنوا
[ انسلخ ] الإنسلاخ : الخروج يقال لكل من فارق شيئا بالكلية انسلخ منه وانسلخت الحية من جلدها أي خرجت منه
[ أخلد ] مال إلى الشيء وركن إليه وأصله اللزوم، ومنه الخلود في الجنة
[ يلهث ] قال الجوهري : لهث الكلب يلهث إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش
[ ذرأنا ] خلقنا
[ يلحدون ] الإلحاد : الميل عن القصد والاستقامة يقال : الحد في الدين ولحد، فهو ملحد، لإنحرافه عن الشريعة والدين.
التفسير :
[ وإذ نتقنا الجبل فوقهم ] أى اذكر حين اقتلعنا جبل الطور ورفعناه فوق رءوس بني إسرائيل
[ كأنه ظلة ] أى كأنه سقيفة أو ظلة غمام
[ وظنوا أنه واقع بهم ] أى أيقنوا أنه ساقط عليهم إن لم يمتثلوا الأمر، قال المفسرون : روي أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لشدة تكاليفها، فرفع جبريل الطور على رءوسهم، وقيل لهم : إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم، فلما نظروا إلى الجبل، خر كل واحد منهم ساجدا خوفا من سقوطه
[ خذوا ما آتيناكم بقوة ] أى وقلنا لهم خذوا التوراة بجد وعزيمة
[ واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ] أى طبقوا أحكامه واعملوا به، لتكونوا في زمرة المتقين ! !