[ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ] قال الطبري : أى واذكر يا محمد إذ استخرج ربك أولاد آدم من أصلاب آبائهم، فقررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض بذلك (( للمفسرين في هذه الاية قولان : أحدهما أن الله لما خلق ادم أخرج ذريته من صلبه وهم مثل الذر وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم فأقروا وشهدوا بذلك، وقد روي هذا المعنى عن النبي (ص) من طرق كثيرة وقال به جماعة من الصحابة والثاني : أن هذا من باب التمثيل والتخييل والمعنى انه سبحانه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم، فكأنه أشهدهم على أنفسهم، وهذا الرأي اختاره الزمخشري وأبو حيان وأبو السعود، والأول أصح وأرجح )) قال ابن عباس : مسح الله ظهر آدم فإستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة.
[ وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ] أى وقررهم على ربوبيته ووحدانيته فأقروا بذلك والتزموه
[ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ] أى لئلا تقولوا يوم الحساب إنا كنا عن هذا الميثاق والإقرار بالربوبية غافلين لم ننبه عليه
[ أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم ] أى ولكيلا تقولوا يوم القيامة أيضا : نحن ما أشركنا وإنما قلدنا آباءنا واتبعنا منهاجهم فنحن معذورون
[ أفتهلكنا بما فعل المبطلون ] أى أفتهلكنا بإشراك من أشرك من آبائنا المضلين، بعد اتباعنا مناهجهم على جهل منا بالحق ؟
[ وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ] أي وكما بينا الميثاق نبين الآيات ليتدبرها الناس، وليرجعوا عما هم عليه من الإصرار على الباطل وتقليد الأباء
[ وأتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ] أى وأتل يا محمد على اليهود خبر وقصة ذلك العالم، الذي علمناه علم بعض كتب الله، فانسلخ من الآيات كما تنسلخ الحية من جلدها، بأن كفر بها وأعرض عنها
[ فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ] أى فلحقه الشيطان واستحوذ عليه حتى جعله في زمرة الضالين الراسخين في الغواية، بعد أن كان من المهتدين، قال ابن عباس : هو " بلعم بن باعوراء " كان عنده اسم الله الأعظم وقال ابن مسعود : هو رجل من بنى إسرائيل بعثه موسى إلى ملك " مدين " داعيا إلى الله فرشاه الملك، وأعطاه الملك على أن يترك دين موسى ويتابع الملك على دينه، ففعل وأضل الناس بذلك
[ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ] أى لو شئنا لرفعناه إلى منزل العلماء الأبرار، ولكنه مال إلى الدنيا وسكن اليها، واثر لذاتها وشهواتها على الآخرة، واتبع ما تهواه نفسه فانحط أسفل سافلين
[ فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ] أى فمثله في الخسة والدناءة كمثل الكلب ان طردته وزجرته فسعى لهث، وإن تركته على حاله لهث، وهو تمثيل بادي الروعة ظاهر البلاغة
[ ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ] أى هذا المثل السيىء، هو مثل لكل من كذب بآيات الله، وفيه تعريض باليهود فقد أوتوا التوراة وعرفوا صفة النبي عليه الصلاة والسلام، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وانسلخوا عن حكم التوراة
[ فأقصص القصص لعلهم يتفكرون ] أى أقصص على أمتك ما أوحينا إليك، لعلهم يتدبرون فيها ويتعظون ! !
[ ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ] أى بئس مثلا مثل القوم المكذبين بآيات الله
[ وأنفسهم كانوا يظلمون ] أى وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم، فإن وباله لا يتعداها
[ من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ] أى من هداه الله فهو السعيد الموفق، ومن أضله فهو الخائب الخاسر لا محالة، والغرض من الآية بيان أن الهداية والإضلال بيد الله سبحانه