[ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ] أى خلقنا لجهنم - ليكونوا حطبا لها - خلقا كثيرا كأننا من الجن والإنس، والمراد بهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة
[ لهم قلوب لا يفقهون بها ] أي لهم قلوب لا يفهمون بها الحق
[ ولهم أعين لا يبصرون بها ] أى لا يبصرون بها بصر اعتبار دلائل قدرة الله جل وعلا
[ ولهم آذان لا يسمعون بها ] أى لا يسمعون بها الآيات والمواعظ، سماع تدبر واتعاظ، وليس المراد نفي السمع والبصر بالكلية، وإنما المراد نفيها عما ينفعها في الدين
[ أولئك كالأنعام بل هم أضل ] أى هم كالحيوانات في عدم الفقه والبصر والاستماع، بل هم أسوأ حالا من الحيوانات، فإنها تدرك منافعها ومضارها، وهؤلاء لا يميزون بين المنافع والمضار، ولهذا يقدمون على النار
[ أولئك هم الغافلون ] أى الغارقون في الغفلة
[ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ] أى لله الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها، لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها، فسموه بتلك الأسماء
[ وذروا الذين يلحدون في أسمائه ] أى اتركوا الذين يميلون في أسمائه تعالى عن الحق، كما فعل المشركون حيث اشتقوا لآلهتهم أسماء منها (كاللات ) من الله، و(العزى) من العزيز، و(مناة) من المتان
[ سيجزون ما كانوا يعملون ] أى سينالون جزاء ما عملوا في الآخرة
[ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ] أي ومن بعض الأمم التي خلقنا، أمة مستمسكة بشرع الله قولا وعملا، يدعون الناس إلى الحق وبه يعملون ويقضون، قال ابن كثير : والمراد قي الآية هذه الأمة المحمدية لحديث (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك وهذه الطائفة لا تختص بزمان دون زمان، بل هم في كل زمان وفي كل مكان، فالإسلام دائما يعلو ولا يعلى عليه، وإن كثر الفساق وأهل الشر فلا عبرة فيهم ولا صولة لهم، وفي الحديث بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بأن الإسلام فى علو شرف ورفعة قدر، هو وأهله إلى قيام الساعة
[ والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ] أى والذين كذبوا بالقرآن من أهل مكة وغيرهم، سنأخذهم قليلا، قليلا، ونقربهم من الهلاك من حيث لا يشعرون، قال البيضاوي : وذلك بأن تتواتر عليهم النعم، فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم، فيزدادوا بطرا وانهماكا في الغى، حتى تحق عليهم كلمة العذاب
[ وأملي لهم ] أى وأمهلهم ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما في الحديث الشريف " إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته
[ إن كيدي متين ] أى أخذي وعقابي قوي شديد، وإنما سماه " كيدا " لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان
[ أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة ] أى أولم يتفكر هؤلاء المكذبون بآيات الله، ليعلموا أنه ليس بمحمد (ص) جنون، بل هو رسول الله حقا أرسله الله لهدايتهم، وهذا نفى لما نسبه له المشركون من الجنون في قولهم [ يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ]
[ إن هو إلا نذير مبين ] أى ليس محمد إلا رسول منذر، أمره بين واضح، لمن كان له لب أو قلب يعقل به ويعي
[ أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ] أي أولم ينظروا نظر استدلال فى ملك الله الواسع ؟ الذي يدل على عظمة الله وكمال القدرة، والاستفهام للإنكار والتوبيخ
[ وما خلق الله من شيئ ] أى وفي جميع مخلوقات الله، الجليل فيها والدقيق فيستدلوا بذلك على كمال قدرة صانعها، وعظم شأن مالكها، ووحدة خالقها ومبدعها ؟
[ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ] أى وأن يتفكروا لعل أجلهم قريب، ليسارعوا إلى النظر والتدبر، فيما يخلصهم من عذاب الله قبل حلول الأجل
[ فبأي حديث بعده يؤمنون ] أى فبأي حديث بعد القرآن يؤمنون ؟ إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية في الظهور والبيان ؟


الصفحة التالية
Icon