وأما النداء السادس : وهو النداء الأخير فقد وضح الله لهم فيه طريق العزة، وأسس النصر، وذلك بالثبات أمام الأعداء، والصبر عند اللقاء، وإستحضار عظمة الله التي لا تحد، وقوته التى لا تقهر، والإعتصام بالمدد الروحي الذي يعينهم على الثبات، ألا وهو ذكر الله كثيرا [ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ].
وختمت السورة الكريمة ببيان الولاية الكاملة بين المؤمنين، وأنه مهما تناءت ديارهم، واختلفت أجناسهم، فهم أمة واحدة، وعليهم نصر الذين يستنصرونهم في الدين، كما أن ملة الكفر أيضا واحدة، وبين الكافرين ولاية قائمة على أسس البغي والضلال، وأنه لا ولاية بين المؤمنين والكافرين [ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ]. " هذه خلاصة ما أشارت اليه السورة الكريمة من أهداف، وما أرشدت اليه من دروس وعبر، نسأله تعالى أن يجعلنا من أهل الفهم والبصر.
تفسير سورة الأنفال
قال الله تعالى : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال.. إلى.. لتولوا وهم معرضون ] من آية (١ ) الى نهاية آية (٢٣).
اللغه :
[ الأنفال ] الغنائم جمع نفل بالفتح، وهو الزيادة وسميت الغنائم به لأنها زيادة على القيام بحماية الدين والأوطان، وتسمى صلاة التطوع نفلا، وولد الولد نافلة لهذا المعنى، قال لبيد : إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي والعجل
[ وجلت ] الوجل : الخوف والفزع
[ ذات الشوكة ] الشوكة : السلاح وأصلها من الشوك، قال ابو عبيدة : ومجاز الشوكة الحد يقال : ما اشد شوكة بني فلان أى حدهم
[ تستغيثون ] الاستغاثة : طلب النصرة والعون
[ مردفين ] متتابعين يتلو بعضهم بعضا، وردف وأردف بمعنى واحد أى تبع قال الطبرى : العرب تقول : أردفته وردفته بمعنى تبعته وأتبعته قال الشاعر : إذا الجوزاء أردفت الثريا
[ بنان ] البنان : جمع بنانة وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين، قال عنترة : وكان فتى الهيجاء يحمي ذمارها ويضرب عند الكرب كل بنان
[ زحفا ] الزحف : الدنو قليلا، مأخوذ من زحف الصبي إذا مشى على أليته قليلا قليلا، ثم سمي به الجيش الكثير العدد، لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف زحفا
[ متحيزا ] منضما يقول : تحيز أى انضم واجتمع الى غيره
[ باء ] رجع
[ موهن ] مضعف
[ تستفتحوا ] استفتح : أى طلب الفتح والنصرة على عدوه.
سبب النزول :
ا - عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله، : من قتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا، فاما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فتسارعوا الى القتل والغنائم فقال المشيخة للشبان : أشركونا معكم، فإننا كنا لكم ردءا، ولو كان منكم شيء للجأتم الينا، فأبوا واختصموا الى النبي (ص) فنزلت [ يسألونك عن الأنفال ] الآية فقسم (ص) الغنائم بينهم بالسوية.
ب - روي أن النبي (ص) أخذ قبضة من تراب يوم بدر فرمى بها في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه فما بقي أحد من المشركين، إلا أصاب عينيه ومنخريه تراب من تلك القبضة، وولوا مدبرين، فنزلت [ وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى.. ].
التفسير :
[ يسألونك عن الأنفال ] أى يسألك أصحابك يا محمد عن الغنائم التي غنمتها من بدر لمن هي ؟ وكيف تقسم
[ قل الأنفال لله والرسول ] أى قل لهم : الحكم فيها لله والرسول لا لكم
[ فاتقوا الله ] أى اتقوا الله بطاعته وإجتناب معاصيه
[ واصلحوا ذات بينكم ] أى اصلحوا الحال التي بينكم بالائتلاف وعدم الاختلاف