[ والله خير الماكرين ] أى مكره تعالى أنفذ من مكرهم وابلغ تأثيرا، قال الطبرى في روايته عن ابن عباس : إن نفرا من أشراف قريش اجتمعوا في (دار الندوة) فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال شيخ من العرب، سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم مني رأي ونصح، قالوا : أجل فادخل، فقال انظروا في شأن هذا الرجل - يعنى محمدا (ص) - فقال قائل : احبسوه في وثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك، فصرخ عدو الله وقال : والله ما هذا لكم برأي، فليوشكن أن يثب أصحابه عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم، فقال قائل : اخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه، فإنه إذا خرج فلن يضركم ما صنع وأين وقع، فقال عدو الله : والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذه القلوب بحديثه ؟ والله لئن فعلتم لتجتمعن عليكم العرب، حتى يخرجوكم من بلادكم ويقتلوا أشرافكم، قالوا : صدق، فانظروا رأيا غير هذا، فقال أبو جهل : والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره ! قالوا : وما هو ؟ قال : نأخذ من كل قبيلة غلاما شابا جلدا، ونعطي كل واحد سيفا صارما، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل كلها، ولا أظن بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلها " فيقبلون الدية ونستريح منه ونقطع عنا أذاه، فصرخ عدو الله إبليس : هذا والله الرأي لا أرى غيره، فتفرقوا في ذلك، فأتى جبريل النبي (ص) فأخبره، وأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأذن له بالهجرة، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه [ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك او يخرجوك... ] الآية
[ وإذا تتلى عليهم آياتنا ] أى واذا قرئت عليهم آيات القرآن المبين
[ قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ] أى قالوا مكابرة وعنادا : قد سمعنا هذا الكلام ولو أردنا لقلنا مثله
[ إن هذا إلا أساطير الأولين ] أى ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا، إلا أكاذيب وأباطيل وحكايات الأمم السابقة، سطروها وليس كلام الله تعالى، وهذا غاية المكابرة ونهاية العناد، كيف لا، ولو استطاعوا لما تأخروا فما الذي كان يمنعهم وقد تحداهم عشر سنين ؟ وقرعوا على العجز، ثم قورعوا بالسيف فلم يعارضوه، مع انفتهم، وفرط استنكافهم أن يغلبوا لا سيما في باب البيان
[ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ] أى إن كان هذا القرآن حقا منزلا من عندك
[ فأمطر علينا حجارة من السماء ] أى أنزل علينا حاصبا وحجارة من السماء، كما أنزلتها على قوم لوط
[ أو ائتنا بعذاب أليم ] أى بعذاب مؤلم موجع، تهلكنا به، وهذا تهكم منهم واستهزاء، قال ابن كثير : وهذا من كثير جهلهم، وشدة تكذيبهم وعنادهم، وكان الأولى لهم أن يقولوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا له ووفقنا لإتباعه، ولكنهم استعجلوا العقوبة والعذاب لسفههم
[ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ] هذا جواب لكلمتهم الشنيعة، وبيان للسبب الموجب لإمهالهم أي إنهم مستحقون للعذاب، ولكنه تعالى لا يعذبهم وأنت فيهم إكراما لك يا محمد، فقد جرت سنة الله وحكمته ألا يعذب أمة ونبيها بين ظهرانيها، قال ابن عباس : لم تعذب أمة قط ونبيها فيها، والمراد بالعذاب عذاب الاستئصال
[ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ] أى وما كان الله ليعذب هؤلاء الكفار وفيهم مؤمنون يستغفرون الله، وهو إشارة إلى إستغفار من بقي بين أظهرهم من المسلمين المستضعفين، قال ابن عباس : كان فيهم أمانان : نبي الله (ص)، والاستغفار، أما النبى فقد مضى، وأما الاستغفار فهو باق الى يوم القيامة