[ إذ يريكهم الله في منامك قليلا ] أى اذكر يا محمد حين أراك الله في المنام أعداءك قلة، فأخبرت بها أصحابك حتى قويت نفوسهم، وتشجعوا على حربهم، قال مجاهد : أراه الله إياهم في منامه قليلا، فأخبر النبي أصحابه بذلك فكان تثبيتا لهم
[ ولو اراكهم كثيرا لفشلتم ] أى ولو أراك ربك عدوك كثيرا لجبن أصحابك ولم يقدروا على حرب القوم، وانظر إلى محاسن القرآن فإنه لم يسند الفشل إليه (ص) لأنه معصوم، بل قال [ لفشلتم ] إشارة إلى أصحابه
[ ولتنازعتم في الأمر ] أي ولاختلفتم يا معشر الصحابة في أمر قتالهم
[ ولكن الله سلم ] أى ولكن الله أنعم عليكم بالسلامة من الفشل والتنازع
[ إنه عليم بذات الصدور ] أى عليم بما في القلوب يعلم ما يغير أحوالها من الشجاعة والجبن، والصبر والجزع
[ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ] هذه الرؤية باليقظة لا بالمنام أى واذكروا يا معشر المؤمنين حين التقيتم في المعركة، فقلل الله عدوكم في أعينكم لتزداد جرأتكم عليهم، وقللكم في أعينهم حتى لا يستعدوا ويتأهبوا لكم، قال ابن مسعود : لقد قللوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل : أتراهم يكونون مائة ؟ وهذا قبل التحام الحرب، فلما التحم القتال كثر الله المؤمنين في أعين الكفار فبهتوا وهابوا، وقلت شوكتهم، ورأوا ما لم يكن في الحسبان، وهذا من عظائم آيات الله في تلك الغزوة
[ ليقضي الله أمرا كان مفعولا ] أى فعل ذلك فجرأ المؤمنين على الكافرين، والكافرين على المؤمنين، لتقع الحرب ويلتحم القتال، وينصر الله جنده، ويهزم الباطل وحزبه، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى
[ وإلى الله ترجع الأمور ] أى مصير الأمور كلها الى الله، يصرفها كيف يريد، لا معقب لحكمه وهو الحكيم المجيد،
[ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ] هذا إرشاد إلى سبيل النصر في مبارزة الأعداء أى إذا لقيتم جماعة من الكفرة، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا
[ واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ] أى اكثروا من ذكر الله بألسنتكم، لتستمطروا نصره وعونه وتفوزوا بالظفر عليهم
[ وأطيعوا الله ورسوله ] أى في جميع أقوالكم وأفعالكم ولا تخالفوا أمرهما في شيء
[ ولا تنازعوا فتفشلوا ] أى ولا تختلفوا فيما بينكم فتضعفوا وتجبنوا عن لقاء عدوكم
[ وتذهب ريحكم ] أى تذهب قوتكم وبأسكم، ويدخلكم الوهن والخور
[ واصبروا إن الله مع الصابرين ] أى واصبروا على شدائد الحرب وأهوالها، فإن الله مع الصابرين بالنصر والعون
[ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ] أى لا تكونوا ككفار قريش حين خرجوا لبدر عتوا وتكبرا، وطلبا للفخر والثناء، والآية إشارة إلى قول أبي جهل :(والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنشرب فيها الخمور، وننحر الجزور، وتعزف علينا القيان - المغنيات - وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا).. قال الطبري : فسقوا مكان الخمر كؤوس المنايا، وناحت عليهم النوائح مكان القيان
[ ويصدون عن سبيل الله ] أى ويمنعون الناس عن الدخول في الإسلام
[ والله بما يعملون محيط ] أي وهو سبحانه عالم بجميع ذلك وسيجازيهم عليه
[ وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ] أى واذكر حين حسن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة، من الشرك وعبادة الأصنام، وخروجهم لحرب الرسول عليه السلام
[ وقال لا غالب لكم اليوم من الناس ] أى لن يغلبكم محمد وأصحابه
[ وإني جار لكم ] أى مجير ومعين لكم
[ فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه ] أى فلما تلاقى الفريقان، ولى الشيطان هاربا موليا الأدبار
[ وقال إني بريء منكم ] أى بريء من عهد جواركم، وهذا مبالغة في الخذلان لهم