[ إني أرى ما لا ترون ] أي أرى الملائكة نازلين لنصرة المؤمنين وأنتم لا ترون ذلك، وفي الحديث (ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أدحر، ولا أحقر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة، إلا ما رأى يوم بدر، فإنه رأى جبريل يزع الملائكة ؟ا) أى يصفها للحرب
[ إني أخاف الله والله شديد العقاب ] أى إني أخاف الله أن يعذبني لشدة عقابه، قال ابن عباس : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين، في صورة " سراقه بن مالك " فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما اصطف الناس أخذ رسول الله قبضة من التراب، فرمى بها وجوه المشركين، فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام الى إبليس، فلما راه - وكانت يده في يد رجل من المشركين - انتزع يده ثم ولى مدبرا مع شيعته، فقال الرجل : يا سراقة أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال : إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله، وكذب عدو الله، فإنه علم إنه لا قوة له ولا منعة، وذلك حين رأى الملائكة
[ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ] أي حين قال أهل النفاق الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر لضعف اعتقادهم بالله
[ غر هؤلاء دينهم ] أي اغتر المسلمون بدينهم فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به، قال تعالى في جوابهم
[ ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ] أى ومن يعتمد على الله ويثق به، فإن الله ناصره، لأن الله (عزيز) أى غالب لا يذل من استجار به، (حكيم ) في افعاله وصنعه
[ ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ] أى لو رأيت وشاهدت أيها السامع حالتهم ببدر، حين تقبض ملائكة العذاب أرواح الكفرة المجرمين، وجواب [ لو ] محذوف للتهويل أى لرأيت أمرا فظيعا وشأنا هائلا، قال ابو حيان : وحذف جواب (لو) جائز بليغ حذفه في مثل هذا، لأنه يدل على التهويل والتعظيم أى لرأيت أمرا فظيعا لا يكاد يوصف
[ يضربون وجوههم وأدبارهم ] أي تضربهم الملائكة من أمامهم وخلفهم، على وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد
[ وذوقوا عذاب الحريق ] أى ويقولون لهم : ذوقوا يا معشر الفجرة عذاب النار المحرق، وهذه بشارة لهم بعذاب الآخرة، وقيل : كانت معهم أسواط من نار يضربونهم بها فتشتعل جراحاتهم نارا
[ ذلك بما قدمت أيديكم ] أي ذلك العذاب بسبب ما كسبتم من الكفر والآثام
[ وأن الله ليس بظلام للعبيد ] أى وانه تعالى عادل، لا يظلم أحدا من العباد فيعذبه بغير ذنب، وصيغة [ ظلام ] ليست للمبالغة وإنما هي للنسب، أى ليس منسوبا إلى الظلم، فقد انتفى أصل الظلم عنه تعالى فتدبره
[ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ] أى حال هؤلاء الكفرة في الإجرام، يعنى عملهم وطريقهم الذي دابوا فيه، كعمل وطريق آل فرعون ومن تقدمهم من الأمم، كقوم (نوح وعاد وثمود) في العناد والتكذيب، والكفر والإجرام
[ كفروا بآيات الله ] أي جحدوا ما جاءهم به الرسل من عند الله
[ فأخذهم الله بذنوبهم ] أى أهلكهم بكفرهم وتكذيبهم
[ إن الله قوي شديد العقاب ] أى قوي البطش شديد العذاب، لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب
[ ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم ] أى ذلك الذي حل بهم من العذاب، بسبب أن الله عادل في حكمه، لا يغير نعمة أنعمها على أحد، إلا بسبب ذنب ارتكبه، وأنه لا يبدل النعمة بالنقمة
[ حتى يغيروا ما بأنفسهم ] أى حتى يبدلوا نعمة الله بالكفر والعصيان، كتبديل كفار قريش نعمة الله عليهم، من الخصب والسعة والأمن والعافية، بالكفر والصد عن سبيل الله وقتال المؤمنين، قال السدي : نعمة الله على قريش (محمد) (ص) فكفروا به وكذبوه، فنقله الله الى المدينة، وحل بالمشركين العقاب "
[ وأن الله سميع عليم ] أى وأنه سبحانه (سميع ) لما يقولون (عليم ) بما يفعلون


الصفحة التالية
Icon