[ وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ] أي واذكروا أيضا نعمتى عليكم، حين قلنا لكم بعد خروجكم من التيه، ادخلوا بلدة بيت المقدس
[ فكلوا منها حيث شئتم رغدا ] أي كلوا منها أكلا واسعا هنيئا من حيث أردتم
[ وادخلوا الباب سجدا ] أي وادخلوا باب القرية، ساجدين لله، شكرا على خلاصكم من التيه
[ وقولوا حطة ] أي قولوا يا ربنا حط عنا ذنوبنا واغفر لنا خطايانا
[ نغفر لكم خطاياكم ] أي نمح عنكم ذنوبكم، ونكفر سيئاتكم
[ وسنزيد المحسنين ] أي نزيد من أحسن إحسانا، بالثواب العظيم، والأجر الجزيل
[ فبدل الذين ظلموا ] أي غير الظالمون أمر الله فقالوا :
[ قولا غير الذي قيل لهم ] حيث دخلوا يزحفون على أستاهم أعنى " أدبارهم " وقالوا على سبيل السخرية والاستهزاء :" حبة فى شعيرة " وسخروا من أوامر الله
[ فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء ] أي أنزلنا عليهم طاعونا وبلاء
[ بما كانوا يفسقون ] أي بسبب عصيانهم وخروجهم عن طاعة الله !! روي أنه مات بالطاعون في ساعة واحدة منهم سبعون ألفا، وكان ذلك عقوبة لهم على إجرامهم.
البلاغة :
أولا : إنما قيد البعث بعد الموت [ ثم بعثناكم من بعد موتكم ] لزيادة التأكيد على أنه موت حقيقي، ولدفع ما عساه يتوهم أن بعثهم كان بعد إغماء أو بعد نوم.
ثانيا : في الآية إيجاز بالحذف في قوله :[ كلوا ] أي قلنا لهم كلوا وفي قوله :[ وما ظلمونا ] تقديره فظلموا أنفسهم بأن كفروا وما ظلمونا بذلك، دل على هذا الحذف قوله :[ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ] والجمع بين صيغتى الماضي والمضارع [ ظلمونا ] و[ يظلمون ] للدلالة على تماديهم في الظلم واستمرارهم على الكفر.
ثالثا : وضع الظاهر مكان الضمير في قوله [ فأنزلنا على الذين ظلموا ] ولم يقل " فأنزلنا عليهم " لزيادة التقبيح، والمبالغة في الذم والتقريع، وتنكير [ رجزا ] للتهويل والتفخيم.
تنبيه :
قال الرغب : تخصيص قوله :[ رجزا من السماء ] هو أن العذاب ضربان : ضرب قد يمكن دفاعه، وهو كل عذاب جاء على يد آدمي، أو من جهة المخلوقات كالهدم والغرق، وضرب لا يمكن دفاعه بقوة آدمي كالطاعون والصاعقة والموت وهو المراد بقوله :[ رجزا من السماء ].
قال الله تعالى :[ وإذ استسقى موسى لقومه.. إلى.. ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] من آية (٦٠) إلى نهاية آية (٦٢).
المناسبة :
لا تزال الآيات تعدد النعم على بني إسرائيل، وهذه إحدى النعم العظيمة عليهم، حين كانوا فى التيه، وعطشوا عطشا شديداً كادوا يهلكون معه، فدعا موسى ربه أن يغيثهم، فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه الحجر، فتفجرت منه عيون بقدر قبائلهم، وكانوا اثنتى عشرة قبيلة، فجرى لكل منهم جدول خاص، يأخذون منه حاجتهم لا يشاركهم فيه غيرهم، وكان موضوع السقيا آية باهرة، ومعجزة ظاهرة لسيدنا موسى عليه السلام، ومع ذلك كفروا وجحدوا.
اللغة :
[ استسقى ] طلب السقيا لقومه لأن السين والتاء للطلب مثل : استنصر واستخبر، قال أبو حيان : الاستسقاء : طلب الماء عند عدمه، أو قلته، ومفعوله محذوف أي استسقى موسى ربه.
[ فانفجرت ] الانفجار : الانشقاق ومنه سمي الفجر لانشقاق ضوئه، وانفجر وانبجس بمعنى واحد قال تعالى :[ فانبجست منه ].
[ مشربهم ] جهة وموضع الشرب
[ تعثوا ] العيث : شدة الفساد، يقال : عثي يعثى، وعثا يعثو إذا أفسد فهو عاث، قال الطبري : معناه تطغوا وأصله شدة الإفساد
[ فومها ] الفوم : الثوم، وقيل : الحنطة
[ أتستبدلون ] الاستبدال : ترك شيء لآخر وأخذ غيره مكانه
[ أدنى ] أخس وأحقر، يقال رجل دنيء إذا كان يتتبع الخسائس
[ الذلة ] الذل والهوان والحقارة
[ والمسكنة ] الفاقة والخشوع مأخوذة من السكون، لأم المسكين قليل الحركة لما به من الفقر
[ باءوا ] رجعوا وانصرفوا قال الرازي : ولا يقال باء إلا إذا كان بشر


الصفحة التالية
Icon