[ يعتدون ] الاعتداء : تجاوز الحد فى كل شيء، واشتهر فى الظلم والمعاصي.
التفسير :
[ وإذ استسقى موسى لقومه ] أي اذكروا يا بني إسرائيل حين طلب موسى السقيا لقومه، وقد عطشوا فى التيه
[ فقلنا اضرب بعصاك الحجر ] أي اضرب أي حجر كان، تتفجر بقدرتنا العيون منه
[ فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ] أي فضرب فتدفق الماء منه بقوة، وخرجت منه اثنتا عشرة عينا بقدر قبائلهم
[ قد علم كل أناس مشربهم ] أي علمت كل قبيلة مكان شربها لئلا يتنازعوا
[ كلوا واشربوا من رزق الله ] أي قلنا لهم : كلوا من المن والسلوى، واشربوا من هذا الماء، من غير كد منكم ولا تعب، بل هو من خالص إنعام الله وفضله
[ ولا تعثوا ي الأرض مفسدين ] أي ولا تطغوا فى الأرض بأنواع البغي والفساد.
[ وإذ قلتم يا موسى ] أي اذكروا يا بني إسرائيل حين قلتم لنبيكم موسى، وأنتم في الصحراء تأكلون من المن والسلوى
[ لن نصبر على طعام واحد ] أي على نوع واحد من الطعام، وهو " المن والسلوى "
[ فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض ] أي ادع الله أن يرزقنا غير ذلك الطعام، فقد سئمنا المن والسلوى، وكرهناه ونريد ما تخرجه الأرض من الحبوب والبقول
[ من بقلها ] من خضرتها كالنعناع والكرفس والكراث
[ وقثائها ] يعني القتة التي تشبه الخيار
[ وفومها ] أي الثوم
[ وعدسها وبصلها ] أي العدس والبصل المعروفين
[ قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذي هو خير ] أي قال لهم موسى منكرا عليهم : ويحكم أتستبدلون الخسيس بالنفيس ؟ وتفضلون البصل والبقل والثوم، على المن والسلوى ؟
[ اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ] أي ادخلوا مصرا من الأمصار، وبلدا من البلدان أيا كان لتجدوا فيه مثل هذه الأشياء !! ثم قال تعالى منبهاً على ضلالهم وفسادهم، وبغيهم وعدوانهم
[ وضربت عليهم الذلة والمسكنة ] أي لزمهم الذل والهوان، وضرب عليهم الصغار والخزي الأبدي، لا يفارقهم مدى الحياة
[ وباءوا بغضب من الله ] أي انصرفوا ورجعوا بالغضب، والسخط الشديد من الله
[ ذلك ] أي ما نالوه من الذل والهوان والسخط والغضب، بسبب ما اقترفوه من الجرائم الشنيعة
[ بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ] أي بسبب كفرهم بآيات الله، جحودا واستكبارا، وقتلهم رسل الله ظلماً وعدوانا
[ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ] أي بسبب عصيانهم وطغيانهم، وتمردهم على أحكام الله. ثم دعا تعالى أصحاب الملل والنحل (المؤمنين، واليهود، والنصارى، والصابئين) إلى الإيمان الصادق وإخلاص العمل لله، وساقه بصيغة الخبر فقال :
[ إن الذين آمنوا ] أي المؤمنون أتباع محمد (ص)
[ والذين هادوا ] اليهود أتباع موسى
[ والنصارى ] أتباع عيسى
[ والصابئين ] قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة
[ من آمن بالله واليوم الآخر ] أي من آمن من هذه الطوائف إيماناً صادقا، فصدق بالله، وأيقن بالآخرة
[ وعمل صالحا ] أي عمل بطاعة الله في دار الدنيا
[ فلهم أجرهم عند ربهم ] أي لهم ثوابهم عند الله، لا يضيع منه مثقال ذرة
[ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] أي ليس على هؤلاء المؤمنين خوف في الآخرة، حين يخاف الكفار من العقاب، ولا حزن وتفجع حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب!
البلاغة :
أولا : في إضافة الرزق إلى الله تعالى [ كلوا واشربوا من رزق الله ] تعظيم للمنة والإنعام، وإيماء إلى أنه رزق حاصل من غير تعب ولا مشقة.
ثانيا : في التصريح بذرك الأرض [ ولا تعثوا في الأرض ] مبالغة فى تقبيح الفساد وقوله :[ مفسدين ] حال مؤكدة، ووجه فصاحة هذا الأسلوب، أن المتكلم قد تشتد عنايته، ومن مظاهر هذه العناية التوكيد، فقوله :(مفسدين) يكسو النهي عن الفساد قوة، ويجعله بعيدا من أن يغفل عنه أو ينسى.


الصفحة التالية
Icon