ب - لما وقع العباس عم النبي (ص) في الأسر كان معه (عشرون أوقية) من ذهب، فلم تحسب له من فدائه، وكلف أن يفدي ابني أخيه، فأدى عنهما (ثمانين اوقية من ذهب ) وقال النبي (ص) " أضعفوا على العباس الفداء " فأخذوا منه ثمانين أوقية، فقال العباس لرسول الله (ص) : لقد تركتني أتكفف قريشا ما بقيت ! ! أى أحتاج إلى معونتهم وسؤالهم.. فقال له (ص) : وأين الذهب الذي تركته عند أم الفضل ؟ فقال : أى الذهب ؟ فقال : إنك قلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولولدك، فقال ابن أخي : من أخبرك بهذا ؟ قال : الله أخبرني ! ! فقال العباس : أشهد أنك صادق، وما علمت أنك رسول الله قبل اليوم، وأمر ابني أخيه فأسلما ففيهما نزلت [ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى.. ] الآية.. قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين أوقية عشرين عبدا، كلهم في يده مال يضرب به أى يتاجر به وربحه لي، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل
التفسير :
[ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ] أى إن مالوا إلى الصلح والمهادنة، فمل إليه وأجبهم إلى ما طلبوا إن كان فيه مصلحة
[ وتوكل على الله ] أى فوض الأمر إلى الله، ليكون عونا لك على السلامة
[ إنه هو السميع العليم ] أى هو سبحانه السميع لأقوالهم العليم بنياتهم
[ وإن يريدوا أن يخدعوك ] أي وإن أرادوا بالصلح خداعك ليستعدوا لك
[ فإن حسبك الله ] أى فإن الله يكفيك وهو حسبك.. ثم ذكره بنعمته عليه فقال
[ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ] أى قواك وأعانك بنصره، وشد أزرك بالمؤمنين، قال ابن عباس : يعنى الأنصار
[ وألف بين قلوبهم ] أى جمع بين قلوبهم على ما كان بينهم من العداوة والبغضاء، فأبدلهم بالعداوة حبا، وبالتباعد قربا، قال القرطبي : وكان تأليف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب، من آيات النبي (ص) ومعجزاته، لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عليها، وكان أشد خلق الله حمية، فألف الله بينهم بالإيمان، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين
[ لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ] أى لو أنفقت في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال، ما قدرت على تأليف قلوبهم، واجتماعها على محبة بعضها بعضا
[ ولكن الله ألف بينهم ] أى ولكنه سبحانه بقدرته البالغة، جمع بينهم ووفق، فإنه المالك للقلوب، يقلبها كيف يشاء
[ إنه عزيز حكيم ] أى غالب على أمره لا يفعل شيئا إلا عن حكمة
[ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ] أى الله وحده كافيك، وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد، وقال الحسن البصري : المعنى حسبك أي كافيك الله والمؤمنون (( القول الأول معناه : حسبك الله وحده وحسب أتباعك وقد اختاره الزمخشري ونصره ابن القيم في مقدمة " زاد المعاد " بأدلة مقنعة، والقول الثاني معناه : يكفيك الله والمؤمنون الذين معك، روي عن مجاهد والحسن البصري واختاره السيوطي والمحلي في تفسير الجلالين، والأول أرجح، والله أعلم ))
[ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ] أى حض المؤمنين ورغبهم بكل جهدك على قتال المشركين
[ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ] قال ابو السعود : هذا وعد كريم منه تعالى بغلبة كل جماعة من المؤمنين على عشرة أمثالهم والمعنى : إن يوجد منكم يا معشر المؤمنين عشرون صابرون على شدائد الحرب، يغلبوا مائتين من عدوهم، بعون الله وتأييده
[ وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ] أى وإن يوجد منكم مائة - بشرط الصبر عند اللقاء - تغلب ألفا من الكفار بمشيئة الله