بالحمم حتى لم تبق منهم ديارا، فقد وصل بهم الكيد في التآمر على الإسلام، أن يتخذوا بيوت الله أوكارا للتخريب والتدمير، وإلقاء الفتنة بين صفوف المسلمين، في مسجدهم، الذي عرف باسم (مسجد الضرار) وقد نزل في شأنه أربع آيات في هذه السورة [ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل.. ] الآيات ولم يكد النبي (ص) يتلقى الوحي حتى قال لأصحابه :(انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه ) فهدموه وكفى الله الإسلام والمسلمين شرهم، وكيدهم، وخبثهم، وفضحهم إلى يوم الدين.
التسمية :
تسمى هذه السورة بأسماء عديدة أوصلها بعض المفسرين إلى أربعة عشر اسما، قال العلامة الزمخشري : لهذه السورة عدة أسماء :(براءة، والتوبة، والمقشقشة، والمبعثرة، والمشردة، والمخزية، والفاضحة، والمثيرة، وا لحافرة، والمنكلة، والمدمدمة، وسورة العذاب ) قال : لأن فيها التوبة على المؤمنين، وهي تقشقش من النفاق أي تبرىء منه، وتبعثر عن أسرار المنافقين، وتبحث عنها، وتثيرها وتحفر عنها، وتفضحهم، وتنكل بهم، وتشردهم، وتخزيهم، وتدمدم عليهم.
تفسيرسورة التوبة
قال الله تعالى :[ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين.. إلى.. أجر عظيم ] من آية ( ١ ) إلى نهاية آية ( ٢٢).
اللغة :
[ براءة ] برئت من الشيء : إذا قطعت ما بينك وبينه من سبب وأزلته عن نفسك، قال الزجاج : برئت من الرجل والدين براءة، وبرئت من المرض بروءا
[ فسيحوا ] السياحة : السير في الأرض والذهاب فيها للتجارة أو العبادة أو غيرهما
[ أذان ] الأذان : الإعلام ومنه أذان الصلاة
[ مرصد ] المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو من قولهم : رصدت فلانا إذا ترقبته قال الشاعر : إن المنية للفتى بالمرصد
[ استجارك ] طلب جوارك أى أمانك
[ إلا ] الإل : العهد والقرابة وأنشد أبو عبيدة : أفسد الناس خلوف خلفوا قطعوا الإل وأعراف الرحم
[ نكثوا ] النكث : النقض وأصله في كل ما فتل ثم حل
[ وليجة ] بطانة ودخيلة، قال أبو عبيدة : كل شىء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، وأصله من الولوج، فالداخل في القوم وليس منهم يسمى وليجة وقال الفراء : الوليجة : البطانة من المشركين يفشي إليهم سره، ويعلمهم أمره.
سبب النزول :
روي أن جماعة من رؤساء قريش أسروا يوم بدر، وفيهم " العباس بن عبد المطلب " فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله، فعيروهم بالشرك، وجعل (علي بن ابى طالب ) يوبخ (العباس ) بقتال رسول الله (ص) وقطيعة الرحم، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوءنا وتكتمون محاسننا ؟ فقال : وهل لكم من محاسن ؟ فقال : نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العانى - الأسير - فنزلت هذه الآية [ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر.. ] الآية.
التفسير :
[ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ] أى هذه براءة من المشركين ومن عهودهم كائنة من الله ورسوله، قال المفسرون : أخذت العرب تنقض عهودا عقدتها مع رسول الله (ص) فأمره الله بإلقاء عهودهم إليهم، فبعث رسول الله (ص)(أبا بكر) أميرا على الحج، ليقيم للناس المناسك، ثم أتبعه (عليا) ليعلم الناس بالبراءة، فقام علي فنادى في الناس بأربع :(ألا يقرب البيت الحرام بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إلى مدته، والله بريء من المشركين ورسوله
[ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ] أي سيروا آمنين أيها المشركون مدة أربعة أشهر، لا يقع عليكم منا مكروه، وهو أمر إباحة وفي ضمنه تهديد


الصفحة التالية
Icon